.. والحطب "ملك الشتاء"




المستقبل - الاربعاء 12 تشرين الثاني 2008 - العدد 3134 - تحقيقات - صفحة 11

رجعت الشتوية....... ورجع معها البرد الذي يطال الجميع فقراء واغنياء ومَن بينهما. هو يدخل المنازل من دون طرق ابواب الطبقات الإجتماعية ومن دون تفرقة، سوى في درجة الحرارة التي تختلف حكما" حسب الإرتفاع الجغرافي. الدخان الذي يتصاعد من طاقات المنازل الصغيرة في الجبال القاسم المشترك بين العائلات الفقيرة والمتوسطة والعلامة الفارقة مع تلك الغنية التي تعتمد على الشوفاج او المدافئ الكهربائية,علما انه بعد الإرتفاع المتزايد لسعر صفيحة المازوت
باتت صوبيا المازوت حكرا على من يستطيع تحمل اعباء مصاريفه بعدما استثناه الفقراء من لائحتهم."ما في شي بدفي اكتر من الحطب" تبادر الى القول سيدة المنزل الأربعينية. حجة ربما تكون صحيحة ومقنعة حين يشتد البرد في كوانين ولكنها اتت في بداية الحديث كهروب من الإعتراف بعدم قدرة العائلة على تأمين بديل. سرعان ما ترُفع الكلفة وترتاح ام ناجي للحديث بصراحة. هنا في هذا البيت الصغير يتربع وجاق الحطب وسط الغرفة. حالته تشير الى مرور زمن على استعماله انما يعيدك شكله الفريد الى القصص القديمة والروايات التي تحكى حول النار."عندنا اربعة اولاد في المدارس، شو بدنا نلحق مع المازوت ...". تحكي كيف ان رب العائلة لم يكن مقصرا في تأمين المازوت لكن الأيام تتجه نحو الاصعب في كل سنة. عندما كان سعر صفيحة الديزل منذ عشر سنوات نحو الخمسة آلاف ليرة لبنانية لم يكن بالأمر الصعب جدا ,ثم ارتفع الى عشرة آلاف وبقي مقبولا لكن التحول الكبير الذي طرأ منذ ما يقارب السنتين حين وصل سعر الصفيحة في العام الواحد الى عشرين الف واستمر بالصعود قصر اليد عن شرائها. عندها لم يكن هناك مهربا امام العائلة سوى ذلك الوجاق. تستفيد ام ناجي من الوجاق الى اقصى الحدود بحيث توظفه في اكثر من غرض بغية التوفير. فالأمر لا يقتصر على التدفئة وغلى القهوة والشاي بل الطبخة كلها تستوي على ناره. "هيك هيك والع منوفر شوية غاز". الفرن الصغير الموجود "منو وفي" ملائم تماما" لطبخات الأم. صينية كفتة وبطاطا،وكبة،وبطاطا مشوية والى ما هنالك من انواع اخرى كلها تعرف رائحة الحطب. "الطبخ عالحطب صحي اكتر واطيب !" .اما خلال العواصف القوية حين يقطع التيار الكهربائي لساعات طويلة تضاف الى مهام الوجاق مهمة اخرى وهي تسخين الماء اللازم للإستحمام. الى جانب البيت المتواضع غرفة مونة صغيرة عارية من الباب, ما يسمح للزائر رؤية الحطب المكدس بطريقة مرتبة فوق بعضه. " الحطب كمان منو رخيص" ,سعر الطن الواحد منه ارتفع هذا العام الى 200دولار . وفي تلك الجبال العالية تحتاج العائلة الى نحو ستة أطنان في فصل الشتاء. عائلة ام ناجي تشتري منها ما يقارب الثلاثة والباقي تؤمنه خلال الصيف, "زوجي يؤمن الحطب من الاحراش القريبة يساعده في ذلك اولادنا..." .في الصيف تجمع العائلة تقريبا" نصف الكمية المطلوبة وام ناجي لا تقصّر في المساعدة "بضل لملم من هون وهونيك، شوية خشب على شوية نشارة يعني بساعدو...". سهرات الشتاء حول النار "ما بيعلى عليها شيئ"، يعبر سامي 27 سنة .حين تتساقط الثلوج البيضاء خلف النافذة يجتمع الأصدقاء لتمضية سهرة "بيتوتية" بما انه من الصعب النزول الى بيروت للسهر خلال الطقس السيئ. تفوح رائحة الكستناء من على "الوجاق"، وتقسَّم المهام بين الشباب. احدهم يهتم بوقد الوجاق او كما يسمّونه "البابور"، وآخرون يهتمون بالبطاطا وغيرها من الخضار التي يتم تحضيرها لشيّها.وطبعا هناك من يهتم بتأمين الحطب اللازم لإبقاء النار مشتعلة .اما عن رائحة الحطب يقول سامي اذا كان الذي ركب الوجاق محترفا" فلا يجوز ان يكون هناك رائحة،اما اذا وجدت "على الأقل فهي اطيب من رائحة المازوت". ويضيف صديقه سامر ان سبب لجوء بعضهم الى "وجاق" الحطب ليس فقط للتوفير بل لأنهم هم اولاد الضيعة والجبال يجدون لذة في وقد النار على الطريقة الكشفية والاستئناس برومانسيتها. غالبا ما يوجد في البيت الواحد "وجاقين" في غرفتين منفصلتين اما اذا وجد واحد فقط فيفضل الأهل وضعه في غرفة الجلوس الأكثر استعمالا ويستعان في الغرف الأخرى بالمدافئ الكهربائية او تلك التي تعمل على الغاز. ويتراوح سعر وجاق الحطب بين 60 وبين 800دولار حسب نوعيته وحجمه ومصدر صناعته, في حين ان وجاق المازوت يتراوح سعره بين 25 وبين600دولار اميركي. ويؤكد ابو وليد بائع في المنطقة ان وجاق الحطب يكثر عليه الطلب اكثر بنسبة 70% بعدما كانت المعادلة معاكسة منذ سنتين. "هذه السنة لم اطلب من التاجر اي وجاق مازوت لأن كمية السنة الماضية ما زالت على حالها في المحل". تجدر الإشارة الى ان الوجاق الأكثر مبيعا" هو الذي يبلغ سعره نحو 150دولارا" "لأنه بيكفي وبيوفي" اما الوجاقات عموما فهي غالية الثمن ويعود السبب في ذلك الى التفنن في شكلها ومحاولة تزيينها لتصبح شبيهة نوعا" ما بال chemine وهو ما يطلبه عادة أصحاب الدخل المرتفع.

No comments:

Post a Comment