السلطان "يحرث ابنته"..

المستقبل - الخميس 17 نيسان 2008 - العدد 2936 - شباب - صفحة 11

إقتربت سحر من مفرق بيتها بخطى مترددة حاملة بعض الكتب، تفكر بحيلة ما لإقناع والدها السماح لها بالدخول الى الجامعة. تنظر تارة الى المنزل وتارة الى الأرض. "لو استطيع الهرب الآن". تقدمت بهدوء وعلى بعد امتار قليلة زحفت الماء تحت قدميها. امها تشطف كالعادة. "امي مهووسة" تمتمت سحر
. هي تنظف ليل نهار وحتى في اوقات الفراغ. وتكاد لا ترتاح سوى عند النوم. حتى على الغذاء تجلس دقائق معدودة لتنهض من جديد لغسل الصحون.سحر التي اتمت دراستها تحلم بالجامعة وبالعيش في بيروت. وحلمها هذا اكبر بكثير من قريتها المحدودة. سألت امها وطلبت منها برجاء مساعدتها للتأثير على الوالد. فردّت عليها وهي تمسك المكنسة في يدها: "يا بنتي شيلي هالفكرة من راسك، يعني شو رح تنفعك الجامعة، ما آخرة كل البنات بالمطبخ. يلاّ يلاّ تعي حطي ايدك معي". ماذا يمكن ان تقول لها غير ذلك. فأم سحر غير متعلمة. تزوجت في السابعة عشر زواجا تقليديا مدبراً بين الأهل. ولم تأخذ في حياتها اي قرار او خيار. أنجبت سبعة أولاد مات ثلاثة منهم عند الولادة وبقي اربعة. يوسف، جابر، حليم وسحر. وسحر هي الأكثر حظاً بينهم. فهي الوحيدة التي دخلت المدرسة. وتردّد امها كل يوم على مسمعها "اشكري ربّك انو خلاكِ تكملي لآخر سنة مدرسة".وقفت سحر في المطبخ تحضر العشاء. غسلت الخضار وتناولت السكين الكبير لتقطيعها. حائرة، مرتبكة تصيغ برأسها جملاً وعبارات. تحاول التفتيش عن سبب يقنع والدها. "آه، ماذا لو كان يريد تزويجي". الى الآن استطاعت التهرب من ذلك القرار وتحايلت طوال خمس سنوات لإبعاد هذا الكابوس. لا تريد ان تتزوج وخصوصا اذا كان العريس من اختيار والدها.أدارت رأسها قليلاً نحو الضوء المنبعث من النافذة. انها تمشي في شوارع بيروت. لديها اصدقاء كثر. تعرّفت الى أساتذتها في كلية الفنون. أعطتهم اسماء ورسمت لهم وجوه. صعدت الى خشبة المسرح تؤدي دور البطولة في اول مسرحية لها امام الجمهور. يصفّقون لها ويصفّقون بحرارة ovarB ovarB يهتفون وتعلو صرخاتهم. "آآآآي" صرخت سحر. سال الدم من اصبعها. رمت السكين "ما هذا. شغل البيت والطبخ. لم أُخلق لتلك الأمور" قالت متألمة.أشارت الساعة الى السادسة مساءً. وبدأ قلب سحر يطرق مليون مرة في الدقيقة. كانت تسمعه. حان وقت عودة الـ"بُع بُع". هكذا تسميه. نعم انه البُع بُع بحدّ ذاته.والدها راعٍ قديم أبّاً عن جد. ورث ذلك عن جدوده. وسيورثه لأبنائه. قوي البنية ومفتول الشوارب. على زوجته ان تحضّر له طشط الماء قبل دخوله من الباب. تركع على الأرض تنتظره لغسل رجليه. يتكلم بصوت عالٍ وخشن. وكما يسوق القطعان في الحقل كذلك يفعل في البيت مع العائلة. ولكثرة قسوته أطلقوا عليه في القرية لقب السلطان. هو الآمر الناهي في كل شيء. ولا يجوز لأحد مجادلته او معارضته.لم تفاتح سحر والدها في ذلك اليوم. واجّلت الموضوع الى اليوم التالي والثالث. مرّ أسبوع ولم تتجرأ ان تكلمه.في ذلك اليوم كان الطقس جميلاً والشمس مشرقة. وتمنت سحر لو انها تجلس امام البحر. ولكن البحر بعيد في بيروت. وهي شبه منفيّة في تلك القرية."أمي اريد الذهاب الليلة عند خالتي". عرفت امها ان عليها الكذب والقول لأبيها ان سحر مريضة ونامت باكراً ولا نريد ازعاجها. وهكذا فعلت.عندما رجعت سحر الى البيت كانت الساعة تشير الى التاسعة وكان السلطان بانتظارها. هذه المرة لم تنل منه كذبة امها. ومن يكذب على السلطان جزاه كبير. تسمّرت امامه وفكرت "ماذا يمكن ان يفعل؟، يضربني، يشتمني، لقد تعوّدت على ذلك منذ زمن. ماذا يمكن ان يفعل اكثر من ذلك". امسك السلطان سحر بشعرها، صفعها مرتين واكثر، ركلها وحتى انه ضرب زوجته. اما يوسف، جابر وحليم فيتفرجون ويتعلّمون من أبيهم كيف يتصرف الرجل القوي عندما تتطاول النساء عليه وتهين شرفه.استمر في ضرب سحر لدقائق عديدة وهي تصرخ وتبكي وتصرخ وامها مرتمية على الأرض. حينها استمدت القوة من الوجع وواجهته "انت لم تعد مسؤولاً عني بعد اليوم، سأترك لك البيت وأرحل ايها الوحش. سأدخل الجامعة وأصبح ممثلة وأريك ماذا يمكن ان تفعل سحر". قالت ذلك وهي تنتظر الصفعة المقبلة. ولكن ذلك لم يحصل. هدأ السلطان فجأة وضع رأسه بين يديه ثم دخل غرفته. ساد الصمت المكان لعشر دقائق. لا تسمع سحر شيئاً سوى تنهدات والدتها. مرت لحظات خرج فيها السلطان حاملاً بيده منجل الفلاحين توجه نحو ابنته "بدّك تصيري من بنات بيروت" وضرب رأسها من دون رحمة. قطعها الى نصفين على مرأى من امها واخوتها. لم يحرك احد ساكناً. هرب السلطان الى الحقول واختفى. تمت مراسم الدفن بهدوء وانتشرت القصة في المنطقة. وبعد مرور أربعة أسابيع دخل السلطان المنزل في الساعة السادسة وكانت زوجته راكعة تنتظره لغسل رجليه.

No comments:

Post a Comment