صغار يُزجّون في لعبة "عسكر وحرامية" مع كبار.. السجن

المستقبل - الاربعاء 23 شباط 2011 - العدد 3920 - تحقيقات - صفحة 9

خطا لبنان أخيراً الخطوة الأولى على طريق تعديل القانون 422 المتعلق بـ"حماية الأحداث المخالفين للقانون والمعرضين للخطر" وتحسينه، علّه بذلك يخفف على هؤلاء المشوار الصعب الذي يقطعونه من لحظة التوقيف حتى دخولهم السجن. ذلك المشوار المخالف في محطاته لنصوص اتفاقية حقوق الطفل الدولية التي وقّع عليها لبنان في العام 1991 كما لنصوص القانون اللبناني نفسه، من التوقيف والتحقيق المرّ، الذي غالباً ما يعنّف فيه الطفل، ليختبر لاحقاً السوق الى المحكمة، مع الراشدين، مكبّل اليدين، مكشوف الوجه، في قفص الاتهام، لأنه وبحسب القانون اللبناني فانت متهّم إلى حين إثبات براءتك وليس العكس. ومن المحكمة يُساق الحدث الى السجن حيث يمكن أن تمرّ الأشهر وحتى السنوات من دون إصدار أي حكم عليه، ليخرج وبعد انتظار قاتل موصوماً بكلمة "عقوبة"، مدى الحياة، على سجله العدلي.
الاتفاقية المعتمدة من الأمم المتحدة في 20 تشرين الثاني من العام 1989، صدّق لبنان عليها في 14 أيار 1991 من دون إبداء أي تحفظات وسارع الى تضمينها في قوانينه التي عدّلها بما يتناسب ومضمون الاتفاقية. فكان تعديل المرسوم 119 الذي عُمل به منذ العام 1983، وإصدار القانون 422 في 6-6-2002، الذي ما زال يتيماً حتى اليوم لعدم صدور المراسيم التطبيقية التي تسهّل العمل به.
وفيما يعتبر بعضهم أن هذا القانون خطوة الى الأمام على طريق الاسترشاد بالمواثيق الدولية ذات الصلة وتضمينه لبعض المبادئ التي تضمّنت هذه المواثيق، يعلو صوت بعضهم الآخر، الذين لا يخفون قلقهم المستمر حول بعض الشوائب التي تعتريه. ولعلّ أهمها تلك المتمثلة بسن المسؤولية الجزائية التي حدّدت بالسابعة من العمر، بالإضافة الى المادة 33 منه والتي تثير جدلاً واسعاً وانقساماً واضحاً في الأوساط القانونية والمجتمع الأهلي وتقضي بمحاكمة القاصر مع الراشد في حال اشتراكهما بالجرم معاً.
الخطوة في اتجاه التحسين، أطلقها وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال الدكتور سيلم الصايغ، منذ نحو عشرة أيام عبر رزمة من القوانين الخاصة بحماية الطفولة التي وضعها المجلس الأعلى للطفولة بالتعاون مع معهد سيدروما التابع لكلية الحقوق والعلوم السياسية التابع لجامعة القديس يوسف وعدد من رجال التربية والقانون. حتى اليوم تمّ إنجاز مرحلة المسح وتعيين النواقص والتباعد وعدم الانسجام الذي يعتري بعض القوانين اللبنانية لجهة انسجامها الكامل وحقوق الطفل. وبدأت المرحلة التالية بوضع مجموعة مشاريع قوانين، تمّ إنجازها من قبل فريق بحثي لتشكل مادة أولية للنقاش الاجتماعي وأهل الاختصاص ومسؤولي الوزارات والأطفال أنفسهم، لتعود وتأخذ مسلكها الى مجلس الوزراء والمجلس النيابي. وتشمل مسودات هذه المشاريع، مشروع قانون لتعديل قانون 422 ومشروع قانون تعديل بعض مواد قانون العقوبات.
ولكن الى حين التعديل، يبقى الحدث - الطفل، المخالف للقانون، يعاني الإجحاف في أحيان كثيرة نتيجة هذه القوانين بحدّ ذاتها. ويؤكد الأمين العام للمجلس الأعلى للطفولة في الوزارة الدكتور إيلي مخائيل، أن المجلس يولي اهتماماً بالغاً لوضع مشروع قانون الحماية الذي من المفترض أن يتضمن ما نقص في القانون الحالي من مواصلة تطوير نظام شامل للتدابير البديلة لتجنيب الطفل الدخول الى المؤسسات العقابية، واتخاذ تدابير ضرورية مثل إصدار أحكام مع وقف التنفيذ والإفراج المبكر لضمان أن يقتصر الحرمان من الحرية على أقصر فترة ممكنة. اتخاذ تدابير فاعلة لتحسين ظروف الاحتجاز حيث يتم تخصيص غرف خاصة في المفارز للأطفال فيها وعدم جمعهم مع الراشدين. وضمان أن تتاح للأشخاص الذين يقلّ عمرهم عن 18 سنة إمكانية الحصول على المساعدة القانونية، وإلغاء كلمة عقوبة أو غرامة عند إصدار الأحكام واستبدالها بكلمة "تدبير" تحاشياً لتدوين الحكم على السجل العدلي.



تختصر قصة "نديم"، 18 سنة، (إسم مستعار) الحالة الحرجة التي يعاني منها الأطفال المخالفين للقانون في لبنان. ففي حين يجهل معظمهم حقوقهم كأطفال والقوانين الراعية لهم، يقعون ضحية القانون ورجال القانون أنفسهم. عندما ألقي القبض على نديم بتهمة تعاطي المخدرات ومحاولة سرقة دراجة نارية، لم يكن قد بلغ سن السابعة عشر بعد. مذنباً كان أم لا، حكم ليس لنا نحن أن نقرره. ولكن اللافت في قصته ليست مخالفته بحدّ ذاتها، إنما مخالفة المولجين بتنفيذ القوانين. أوقف نديم من قبل رجال الأمن وسيق الى المفرزة الأولى حيث تعرض للضرب المبرح قبل التحقيق وخلاله، علماً أن العناصر المولجة به كانت على علم بحالته الصحية غير المستقرة نتيجة تعاطيه المخدرات. أخضع للتحقيق من دون وجود مندوب اجتماعي. يقول نديم إنه انتقل في تلك الليلة بين ستة مخافر ومفارز مختلفة، حيث لم يكن بمقدور رجال الأمن تحديد الجهة المولجة احتجازه، الى أن وجد نفسه أخيراً في مخفر حبيش.".. ثلاثة أيام انقضت ولم يبلّغ أحد من عائلته عن مكانه أو حالته، الى أن وجدته أمه بالصدفة في مخفر حبيش، في حالة حرجة على حد قولها وبحرقة قلب الأم تقول "يا ريت بعرف من هو الذي ضربه حتى أنتفه بيديّ". لم يتعرض نديم للضرب في حبيش كما في الأماكن الاولى حيث "كانوا يضربونني ويطلبون مني أن أبكي" كما يقول. في حبيش أوقف في غرفة واحدة مع 32 راشداً معظمهم مدمنين على المخدرات وتركوا في الظلمة لمدة أربعة أيام متواصلة بعد إحتراق اللمبة. شهر كامل قضاه نديم في حبيش قبل أن يحوّل بعد ذلك الى قسم الأحداث في سجن روميه، حيث قضى ما يقارب الثلاثة أشهر في ظروف صحية سيئة. وقبل تحويله الى هناك مثل أمام قاضي الأحداث، ومن دون ذكر إسمه يقول نديم "القاضي الأول الذي استمع إلي لم يترك لي المجال للحديث بل تكلم هو لوحده ولم يحرك ساكناً حين أخبرته أني تعرضت للضرب".
خلال حديثه عن السجن يفاخر نديم بنجاحه في السيطرة على الغرفة المخصصة للأحداث، حيث أصبح هو "الكل بالكل والريّس. ففي روميه فقط الزلمي بيمشي حالو". يعترف بسهولة الحصول على المخدرات وتوزيعها في السجن، مع العلم أنه في اليوم الثاني له في السجن اضطر الى التخلي عن سرواله مقابل الحصول على بعض الحبوب. انتهت محكوميته ولم تنتهِ إجراءات محاكمته بعد في قضية تعاطي المخدرات، وها هو قد بلغ الثامنة عشر من العمر. فبعدما نال العقاب وقرّر سلوك الدرب الصالح في الحياة ها هو ينتظر بفارغ الصبر انتهاء المحاكمة بغصة كبيرة لعلمه مسبقاً أن تلك المرحلة من حياته لن تسهّل عليه الدرب، بل على العكس، فتوبته لن تفلح في محو كلمة العقوبة عن سجله العدلي.


   تعنيف لفظي وجسدي

تجاوز القانون من قبل بعض رجال الأمن والقانون بحدّ ذاتهم أمر قد لا يتقبله البعض. غير أنه من المخيف طمر الرؤوس في الرمال ونكران الحقيقة. فالواقع الملموس على الأرض يؤكد تعرّض الأحداث في لبنان الى التعنيف الجسدي واللفظي في المخافر، وربما لعدم تخصّص رجال الأمن في التعاطي مع الأحداث وغياب شرطة متخصّصة بهم. ويؤكد رئيس غرفة لدى محكمة التمييز وعضو مجلس القضاء الأعلى القاضي غسان رباح أنه أبطل عدة تحقيقات في جنايات صيدا بعد ثبوت تعرض الحدث للتعنيف من قبل الشرطة. ويقول "سعينا منذ زمن الى إنشاء شرطة أحداث، وحين تمّ ذلك ضمت شرطة الأحداث الى شرطة الآداب في مخفر حبيش فقط، والمطلوب وجود شرطة أحداث على مستوى لبنان". ويضيف الى سلة ثغرات القانون 422 فهو لم يلحظ اختصاص قضاة الأحداث، وكوني عضو مجلس قضاء أعلى، سأصر في التشكيلات المقبلة على أن يكون هناك تخصّص في معهد القضاء لأن العمل مع الأحداث ليس بالسهل أبداً ولا يمكن لقاضٍ عقاري مثلاً أن يصبح قاضي أحداث". وفي السياق نفسه، يؤكد الدكتور إيلي ميخائيل رئيس المجلس الأعلى للطفولة أنه من الضروري مواصلة تحسين نوعية وتوافر خدمات محاكم الأحداث المتخصصة. ويرى أن "الثغرة الأساس تكمن في التشكيلات. ففي آخر لقاء جمعنا والقضاة منذ سنتين في معهد القضاء في الأشرفية، شعرنا أنهم ليسوا متشربين بعد ثقافة حقوق الطفل في لبنان". ويشرح أن "الثغرات ليست موجودة في القوانين فقط لكنها موجودة أيضاً في الأنظمة الإدارية التي تحكم في العملية القانونية. فوجوب الاتصال بالمندوب الاجتماعي مثلاً عند توقيف الطفل لحضور التحقيق حقّ كرسّه القانون، لكنه غالباً ما يتمّ التغاضي عنه. وإذا ما تمّ الاتصال به، تبقى مهلة تحديد القانون لحضوره الى التحقيق خلال ست ساعات فقط بعد ما كانت 24 ساعة أمر يدعو الى القلق نظراً الى الندرة الفاضحة لأعداد هؤلاء".

من جهتها ترسم الوزيرة المحامية منى عفيش علامة استفهام حول مدى تأمين حقوق الطفل في المخفر. حيث يحتجز الحدث عند التوقيف مع الراشدين ويتعرض الى التعسف والضغوط. وتسال "الى أي مدى يستمع المدعي العام الى المندوب الاجتماعي؟ خصوصاً وأن له أوقات معينة لتلقي الاتصالات". وتعرب عن تمنيها "أن يفتح المدعي العام هاتفه الى كل قضية تختص بالأحداث. وان يستمع الى المندوب الاجتماعي"، لافتة الى أنه "يجب ضبط المخالفات في حال تأخر القضاة أو المدعين العامين في إصدار القرار اللازم لضمان عدم توقيف الحدث لأيام عديدة قبل البت بشأنه".

                                               في سجن روميه
التزم لبنان بالاتفاقية الدولية، غير أنه ما زال موضع انتقاد لوضعه الأحداث في حرم سجن رومية. ويقدّر عدد هؤلاء السجن بما يقارب الـ120 في حالة إقامة مستمرة، تراوح أعمارهم بين الخامسة عشر والثامنة عشر. ويعود سبب تحويلهم اليه الى عدم توافر سجن أحداث منفصل أو مؤسسات خاصة قادرة على رعايتهم، فيما يتم تحويل كل حدث تحت الخامسة عشر الى مركز اتحاد رعاية الأحداث أو الى جمعيات متخصصة. وعلى الرغم من أن القانون واضح بشأن ضرورة تسليم الأحداث الى مؤسسات مختصة ومتابعتهم من قبل المندوبين الاجتماعيين، غير أن الإحصاءات التابعة لمصلحة الأحداث في وزارة العدل تبيّن القصور الفاضح في ذلك. فخلال العام 2009 تمّ تحويل 170 حدثاً الى الإصلاح من أصل 2315 حدثاً، فيما حول 218 آخرين الى السجن، و19 منهم الى مؤسسة، وأخضع 196 للمراقبة الاجتماعية. وتعلق عفيش على ذلك قائلة "نحن لا نريد أن نملئ السجون بالأحداث، ولا نريد أن نبني سجوناً جديدة إنما نريد انتشالهم من السجن".
أما عن وضع الأحداث في سجن روميه فحدث ولا حرج. فعلى الرغم من كل التحسينات ما زال وضعهم مذرياً، على حسب تعبير عفيش. "فلا أسرة كافية، ولا برنامج غذائياً يأخذ في الاعتبار صحتهم ونموهم، والمياه لم تتأمن سوى منذ فترة وجيزة". وعلى الرغم من تخصيص جناحين للأحداث، إلا أنهم ما زالوا يتعرضون للاحتكاك مع الراشدين ما يمكن أن يؤثر فيهم بشكل سلبي. وتوضح أن "النقص الكبير هو في الهيكلية الأمنية للحراسة وفي المتخصصين بمتابعة أحوال الأحداث النفسية والاجتماعية والصحية. فقد تبين لنا أن بعض الأحداث المدمنين على المخدرات يلجأون الى شم التنر والباتكس. ونتيجة ذلك قامت مؤسسة الأب عفيف عسيران بإنشاء دار متابعة لمعالجتهم، والى فترة ليست ببعيدة جداً كان يتم تطبيق عقوبات الراشدين على الأحداث في السجن، وأبرزها السجن الإنفرادي، حيث كان يترك الحدث لفترات طويلة كقصاص له في مكان لا يجوز أن يترك فيه حتى الحيوان وقد استطعنا إيقاف ذلك بمساعدة الجنرال سعاده".


السن الجزائية
عندما رفع المجلس الأعلى للطفولة تقرير لبنان الثالث الى جنيف، أوصته اللجنة الدولية لحقوق الطفل على سبيل الأولوية الى وجوب رفع الحد الأدنى للمسؤولية الجزائية الى 12 سنة وما فوق، إلا أنه لم يصر الى ذلك علماً أن البلدان العربية المجاورة أخذت بهذه التوصيات منذ زمن. وفيما يعزو ميخائيل السبب الى "بطء الحركة التشريعية في لبنان"، يكشف رئيس محكمة جنح الأحداث في بيروت سابقاً القاضي فوزي خميس، وهو أحد المشاركين في وضع مشروع قانون لتعديل 422، أنه "سيتم رفعه من 7 سنوات الى الـ10 فقط"، معتبراً أن "الأطفال اليوم، وخصوصاً في لبنان، على درجة كبيرة من الوعي بالنسبة الى عمرهم الصغير لتحمّل المسؤولية". الأمر الذي يجده البعض غير منطقي، إذ كيف يمكن استيعاب أن يتحمّل طفل في العاشرة أو الحادية عشر من العمر مسؤولية جزائية، في حين أن عمره لا يسمح له بالتمييز الواضح بين الصواب والخطأ في عالم الجريمة. وتسال عفيش "لماذا يتحمّل الأولاد ما دون الـ15 المسؤولية الجزائية طالما أن القانون لا يسمح بإرسال من هم دون هذه السن الى السجن؟ هذا أمر غير معقول"، ويوافقها الرأي القاضي غسان رباح الذي يرى أنه يجب رفع المسؤولية الجزائية أقلّه الى سن 12 على غرار الدول العربية المجاورة.
                              في مفرمة العدلية:
تتجلّى أبرز شوائب القانون 422 في المادة الثالثة والثلاثين منه التي تنصّ على أن يخضع الحدث، في حال مشاركته في جرم واحد أو في جرائم متلازمة مع الراشدين، لإجراءات الملاحقة والتحقيق والمحاكمة التي تنطبق على هؤلاء أمام المرجع العادي. وفي حين يتفق الجميع على أن القانون وبالإجمال جيد لكنه ليس مثاليّاً، تتباين وجهات النظر حول هذه المادة بالذات والتي لاقت وما زالت منذ صدورها جدلاً واسعاً في الأوساط المعنية. فالحدث مدعّى عليه وليس متّهماً كونه قاصراً، وإذا ارتكب جنحة عقوبتها أقل من ثلاث سنوات يحوّل الى قاضٍ منفرد جزائي مختص بالأحداث، أما إذا ارتكب جناية فيحول الى محكمة جنايات الأحداث. لكن المشكلة الكبرى هي في حال اشتراكه في الجرم مع راشدين فيحال الى محكمة الراشدين، وهنا نقطة الانقسام بين القضاة.
وفيما يصرّ رباح "على أنني عارضت وما زلت أعارض تحويل الحدث الى جنايات الراشدين"، يكشف خميس أن تلك المادة في مشروع تعديل القانون ما زالت هي نفسها تقريباً، والمشكلة الأساسية ليست فيها أو في القانون بحدّ ذاته لكنها في تطبيقه. ويضيف "في حال تم تفريق الملف يحوّل كل من الراشد والقاصر المشتركين في الجرم نفسه الى محكمة مختلفة ومن الممكن أن تتناقض الأحكام بين المحكمتين. لذلك نحن نعطي الحدث الضمانات التي ذكرها القانون في حال محاكمته مع الراشد، من سرية المحاكمة الى ضرورة وجود مندوب اجتماعي يحضر المحاكمة وغيرها".
غير أن ذلك ليس كافياً بحسب المعنيين، نظراً الى ما يعانيه الحدث، عند دخوله الى العدلية. فالسوق الى المحكمة هو معاناة بحدّ ذاتها بالنسبة للأحداث. هناك تبدأ المعاناة حيث يضطر الحدث الى حضور المحكمة في كل مرة تتأجل الجلسة لأسباب متعددة، علماً أنه يمكن توفير كل ذلك في حال تعديل المادة 33 وفصل ملف القاصر عن الراشد. وبهذا التعديل يمثل الحدث في محكمة جنايات الأحداث، أمام قاضي الأحداث الذي يعطيه القانون سلطة استنسابية فيتم الاستماع اليه لمرة واحدة فقط من دون تكبيده عناء حضور كافة الجلسات. ويسأل رباح "لماذا يُجبر الحدث على الدخول الى "مفرمة العدلية"؟ يروح ويعود مليون مرة. فالطفل يتبهدل في محكمة جنايات الكبار، فيما القاضي في كثير من الأحيان لا يملك "الجلد" ولا ينتبه حتى لوجوده بين عصابة من سبعة راشدين". ويخبر رباح، حين كان مستشاراً في المحكمة الجزائية، أنه شهد على كثير من هذه الأمور، ومنها مثلاً معاناة طفل في الثالثة عشر من العمر بقي لمدة ثمانية أشهر يروح ويجيء الى المحكمة في كل مرة لعدد من الأسباب. ويضيف رباح "نادراً ما تكون المحكمة سرية. كما أن الحدث يجلس في قفص الاتهام. والأسوأ من ذلك حين تحكم محكمة الراشدين عليه، وتحوّل ملفه الى قاضي الأحداث لأخذ التدبير المناسب بحقه". ويسال "فهل تتصورين كيف يمكن لقاضي أحداث أن يأخذ تدبيراً بحدث من دون أن يحضر حتى المحاكمات؟ حتى ولو اطلع على الملف ودرسه فإن وجاهية المحاكمة هي التي تؤثر في ضمير القاضي. فحتى الحركات البسيطة التي يقوم بها المتهم ولغة جسده تؤثر في قراره". ولدحض فكرة احتمال تضارب القرارات بين محكمة الراشدين وتلك التي للأحداث في حال فصل الملف، يستعيد رباح عدداً من التجارب، حين كان يتم فصل الملفات قبل صدور القانون 422، ومنها جريمة قتل حصلت في صيدا، اشترك فيها طفل "واستجوبته في محكمة الأحداث واتصلت بقاضي جنايات الراشدين وقابلت الراشدين المشتركين بالجرم وحصلت على استنطاق. واستكملنا المحاكمة وكأنها حصلت أمام مرجع واحد. ولم يحصل أي تعارض".
من ناحية أخرى تصف العاملة الاجتماعية في وزارة العدل التابعة لاتحاد حماية الأحداث باسمة رمانه، الوضع الراهن "بالخربطة الطويلة العريضة". وتشرح "في بيروت هناك غرفتان فقط لمحكمة الجنايات وهناك كم هائل من الملفات المؤجلة، فيما لو كانت محاكمة القاصر تجري في محكمة الأحداث فقط لما كان ليحصل كل هذا التأجيل الذي يمتد لأشهر. وتتابع "هناك قاصرون يتم توقيفهم لستة أشهر قبل أن يتم استجوابهم للمرة الأولى. فيعيش القاصر في انتظار قاتل قبل أن يصدر الحكم عليه". ففي محكمة جنايات الراشدين في بيروت ما يقارب 25 ملفاً لقاصرين لسنة 2010، ويبلغ عدد هؤلاء نحو30 حدثاً. بينما لا يتعدى عدد الملفات في محكمة جنايات الأحداث الأربعة ملفات".

No comments:

Post a Comment