مجلة دليلنا - العدد الثالث - أيار-حزيران 2009
بعد السارس وانفلوانزا الطيور تجتاح انفلوانزا الخنازير العالم اليوم باحثة عن ضحايا جديدة و"بالجملة" . في الأيام الأولى لإنتشار الوباء دقت السلطات الصحية العالمية ناقوس الخطر خشية حصول جائحة بشرية.
ولربما يصح تسمية هذا الوباء بالخبيث لأن عوارضه لا تدعو للشك اما الاعراض فتشمل ارتفاعا في الحرارة وصداعا واوجاعا في العضل، اي انها اعراض الانفلوانزا الموسمية نفسها التي تؤدي الى وفاة 250 الى 500 الف شخص سنويا . اذا ما هي هذه الإنفلوانزا التي تهدد البشرية؟ التقت دليلنا الأخصائي في الأمراض المعدية والجرثومية الدكتور كلود عفيف للإستعلام اكثر عن الموضوع.
ما هو تعريف انفلونزا الخنازير؟
انفلونزا الخنازير مرض تنفسي يتفشى في مزارع الخنازير سببه فيروس انفلونزا من النوع "ايه" ( هذا النوع قابل للتحول الى جائحة خلافا لنوع "بي"). ويمكن لهذا الفيروس ان ينتشر بسرعة. ويشرح د. عفيف ان هذا الفيروس كان موجود عند الحيوان وحصلت تغييرات عليه وهذا الشيئ طبيعي نشهده مع الإنفلوانزا عامة حيث ي
غير شكله الفيروس بإستمرار. وهذا الفيروس الذي يسمى اليوم بإنفلوانزا الخنازير هو "خلطة بين ثلاثة انواع من الفيروس اتت من الخنازير والطيور والبشر. اختلطت ببعضها وشكّلت هذا الفيروس الجديد"
هل هذا يعني ان انفلوانزا الخنازير كانت موجودة في السابق؟
تتغير فيروسات الانفلونزا باستمرار لدى الخنزير كما هو الحال لدى الانسان. الا ان الجهاز التنفسي لدى الخنازير تحتوي على مستقبلات فيروسات انفلونزا الخنازير والطيور والانفلونزا البشرية ايضا.اذا يشكل الخنزير من حيث تركيباته الجينية "بيئة محفزة" لظهور انواع جديدة من فيروسات الانفلونزا، وذلك حين تنتقل اليها اكثر من عدوى بشكل متزامن.
وبحسب د. عفيف ان تركيبة فيروس "ايه/ايتش1ان1
" الحالي غير مألوفة بحسب العلماء، انها نوع جديد من الفيروسات. "لطالما كان الإنفلوانزا موجود. وكل اربعون او خمسون سنة يتغير شكل الفيروس ويتحول الى وباء. شهدنا ذلك عام 1918 و 1950 و 1968 . هذا التطور طبيعي للفيروس. والإنفلوانزا فيروس تصيب الخنازير وهذا ليس شيئ جديد . كما ان هناك نوع من انفلوانزا يصيب البقر والسمك والطيور الخ. وفي السبعينيات شهدنا على انفلوانزا الخنازير الذي انتقل الى الإنسان ولكنه لم ينتشر كما اليوم".
اذا ما كان موجودا في السابق ما الذي يخيفنا اليوم؟
منذ خمس سنوات تقريبا انتشر انفلوانزا الطيور ولكن هذا الفيروس لم ينتقل من انسن الى آخر. بينما مع انفلوانزا الخنازير العكس صحيح. الخوف الأكبر ان يتحول المرض الى وباء بشري اي ان ينتشر في مناطق كثيفة وكبيرة في العالم. وهذه مشكلة كبيرة لأننا لا نملك مناعة ضده، فسيمرض به العديدين، والمستشفيات لا يمكن ان تستوعب تلك الكميات الكبيرة من المرضى وبالتالي سينتج عن ذلك حالات وفاة عديدة.
هل تنتقل العدوى من خلال اكل لحم الخنزير؟
لا، تنتقل العدوى من انسان لاخر عبر الهواء. يضاف الى ذلك عدم تسجيل انتشر الوباء في اي من مزارع الخنازير في المكسيك او في اي منطقة من اميركا الشمالية.
فطهو لحم الخنزير على حرارة 71 درجة مئوية كفيل بالقضاء على الفيروسات والبكتيريا، كما اوضحت المراكز الاميركية لمراقبة الامراض. ويقول د. عفيف "لا مبرر علمي ابدا لما يحصل في الدول المجاورة من ذبح للخنازير، وقد حصل الأمر نفسه عندما قامت اليابان بحملة لإبادة الطيور ولكن ذلك لم يأت بأي نتيجة ولم يحد من انتشار الفيروس".
هل من لقاح ضد انفلوانزا الخنازير؟
نعم هو متوافر للخنازير. وتقول منظمة الصحة العالمية ان "بالامكان انتاج لقاح للبشر في حال تحديد ماهية الفيروس" لكنه يتطلب "بعض الوقت". ان انتاج الجرعات الاولى من اللقاح يتطلب اربعة اشهر بعد تلقي سلالة الفيروس.
بالانتظار يبدو ان دواء "تاميفلو" الاسم التجاري ل"اوزلتاميفير"، المضاد للفيروسات وللانفلوانزا الذي يستخدم لمعالجة انفلونزا الطيور، فعالا في معالجة انفلوانزا الخنازير. واعلنت السلطات الاميركية ان فيروس "ايه/ايتش1ان1" يتجاوب مع مضاد للفيروسات اخر هو "زاناميفير" الذي يعرف باسم ال"رلينزا" التجاري ويؤخذ عن طريق التنشق. ولا يحمي اللقاح ضد الانفلوانزا الموسمية من انفلوانزا الخنازير.
لماذا دقت منظمة الصحة العالمية ناقوس الخطر؟
ان السبب هو الوضع الخطر الذي يتطور بسرعة. وكان ذلك في اطار التحذير الذي اطلقته من الفيروس الجديد القابل للتحول الى جائحة.
وكررت المنظمة توصياتها لتشديد المراقبة على كل الحالات التي تظهر اعراض شبيهة باعراض الانفلوانزا او الالتهاب الرئوي الحاد. ومن جهته اوصى الاتحاد الاروبي بتجنب السفر الى المكسيك او الولايات المتحدة، اي المناطق الاكثر تأثرا، للحد من خطر انتشار العدوى .
وسجلت حالات من مرض انفلونزا الخنازير الذي اودى بحياة المئات من الأشخاص في المكسيك، في الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا واسبانيا مما حمل السلطات الصحية على التعبير عن مخاوفها من ان يتسبب المرض بوباء عالمي.
تعدّدت الأسماء والمرض واحد:
ثار جدل بين الأوساط الصحية العالمية ومنتجي لحوم الخنازير فى أمريكا وأوروبا حول تغيير إسم فيروس أنفلونزا الخنازير الذي أصاب الكثيرين فى العديد من دول العالم، حيث إن أنفلونزا الخنازير لها خصائص جينية تأتى من ٣ أنواع مختلفة: الخنازير والطيور والإنسان. وقال ريتشارد بيسر، نائب مدير المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها بولاية جورجيا: «ماذا نطلق عليه؟ إننا إذا أطلقنا عليه اسم أنفلونزا الخنازير، فذلك يعنى ضمنيا أن منتجات الخنازير تنقل المرض وهذا غير مفيد لمنتجى لحوم الخنازير أو آكليها» . وفي الوقت نفسه، طالب منتجو الخنازير الأمريكيون بتغيير اسم المرض لأنه يؤثر على أعمالهم ، مما دفع مسؤولى الحكومة للتأكيد على أن الخنزير الأمريكى آمن للأكل وحاولت وزيرة الامن الداخلى الأمريكية جانيت نابوليتانو ووزير الزراعة توم فيلساك جاهدين مرارا الإشارة إلى الأنفلونزا باسم «فيروسH١.N١». ومن جانبها، اقترحت المفوضية الأوروبية تغيير اسم الفيروس إلى «الأنفلونزا الغريبة» تخوفا من أن ينفر اسم أنفلونزا الخنازير الأفراد من أكل لحوم الخنازير الأوروبية، وكان من بين المقترحات الأخرى ، تسمية المرض بـ «الأنفلونزا المكسيكية» أو «أنفلونزا أمريكا الشمالية» وهو ما اعترضت عليه المكسيك. وفى الوقت نفسه، قدمت المكسيك احتجاجا رسميا إلى إسرائيل بعد اقتراح نائب وزير الصحة الإسرائيلى يعقوب ليتسمان تسمية الوباء الجديد بأنفلونزا المكسيك بدلا من أنفلونزا الخنازير. واعتبر سفير المكسيك لدى إسرائيل فدريكو سلاس هذا النعت مزعجا ومقلقا جدا. ولكن مصادر أفادت بأن وزارة الخارجية الإسرائيلية طمأنته قائلة ان إسرائيل لا تنوى تغيير اسم المرض، وأن ما قدمه نائب وزير الصحة لا يعدو كونه اقتراحا يهدف منه المسؤول الإسرائيلى إلى الامتناع من استخدام كلمة خنازير لكونها حيوانات «نجسة» حسب تعاليم التوراة.
بينما أكد خبير المرض انتونى فوتشى للجنة استماع فى مجلس الشيوخ أن «أنفلونزا الخنازير» تسمية تعكس بروتوكولا لتسمية علمية، كما اعترضت أيضا المنظمة العالمية لصحة الحيوان على الاسم، وقالت إن الفيروس يشمل مكونات من الطيور والإنسان ولم يعثر بعد على خنزير مريض بالفيروس. كانت منظمة الصحة العالمية واضحة فى أن اسم أنفلونزا الخنازير لن يتغير، وأكدت أنها ملتزمة بإطلاق مصطلح «أنفلونزا الخنازير» على الفيروس.
إستنفار وإجراءات مراقبة:
حال شيوع خبر انتشار الفيروس، شرعت دول كثيرة فى اجراء مراقبة صحية للمسافرين في المطارات القادمين من المكسيك والولايات المتحدة واليابان. ففي مطار شنغهاي على سبيل المثال تم فحص المسافرين بمعدات طبية خاصة للتأكد من خلوِّهم من أعراض الفيروس. بل ان بعض الدول سارعت في إصدار تحذيرات لمواطنيها بشأن السفر إلى المكسيك، وإضافة إلى إجراءات المراقبة الصحية في المطارات والموانئ بدأت حكومات العالم في توفير مضادات الفيروسات بكميات كبيرة. وقررت حكومات مثل الصين وروسيا وضع أي شخص لديه أعراض الفيروس القاتل قيد الحجر الصحي، كما زادت معظم الحكومات إجراءات فحص واردات الخنازير من الأمريكتين أو فرضت عليها حظرا مؤقتا. وحثت وزارة الخارجية الامريكية الامريكيين على تجنب كافة اشكال السفر "غير الضروري" الى المكسيك خلال الاشهر الثلاثة القادمة بسبب تفشي انفلونزا الخنازير . كما حذرت وزارة الخارجية البريطانية رعاياها من السفر إلى المكسيك. وتعيش معظم الدول الآسيوية حالة استنفار خوفا من تفشي الفيروس فيها خاصة في الدول ذات الكثافة السكانية العالية مثل الصين والهند.
وأعلنت سلطات المطارات في اليابان واندونيسيا وهونج كونج وسنغافورة خططا لفحص المسافرين لكشف أي أعراض للانفلونزا.
يشار إلى أن فيروس انفلونزا الطيور أودى خلال السنوات الماضية بحياة المئات في الدول الآسيوية في مقدمتها اندونيسيا والصين. ما مكّنها اليوم ان تكون أكثر استعدادا للتعامل مع أي انتشار وبائي لانفلونزا الخنازير من خلال الخبرات التي اكتسبتها في التعامل مع وباء سارس عام 2003 الذي اودى بحياة أكثر من 800 شخص.
وتمثلت هذه الخبرات بصفة خاصة في إجراءات المراقبة في المطارات والحجر الصحي والتعامل مع تلاميذ المدارس.
على الرغم من عدم وجود أيّة بيّنات واضحة على أنّ حالات إنفلونزا الخنازير التي تُسجل حالياً بين البشر لها علاقة بالوباء الشبيه بالإنفلونزا الذي أصاب الخنازير في الآونة الأخيرة وما زال منتشراً بينها، فإنّ من المستحسن الحدّ إلى أدنى مستوى ممكن من التعامل مع الخنازير المريضة وإبلاغ السلطات المعنية بصحة الحيوانات عن ذلك. ويكتسب معظم الأشخاص العدوى عن طريق التعامل، عن كثب ولفترة طويلة، مع خنازير موبوءة. ومن الضروري التزام ممارسات النظافة الشخصية في جميع أشكال التعامل مع الحيوانات، وتلك الممارسات تكتسي أهمية خاصة أثناء عملية الذبح وعملية المناولة التي تليها وذلك لتوقي التعرّض للعوامل الممرضة. ولا ينبغي إخضاع الحيوانات المريضة أو الحيوانات التي ماتت جرّاء إصابتها بأحد الأمراض لإجراءات الذبح. كما ينبغي اتّباع النصائح الإضافية التي تصدرها السلطات الوطنية المعنية.
ولم يتبيّن أنّ إنفلونزا الخنازير قادرة على الانتقال إلى البشر بعد تناولهم لحوم خنازير أو مشتقات أخرى من تلك الحيوانات تمت مناولتها وتم إعدادها بطرق سليمة. ولا يستطيع فيروس إنفلونزا الخنازير تحمّل درجة حرارة تبلغ 160 درجة فارنهايت/ 70 درجة سلسيوز، أي ما يعادل درجة الحرارة المرجعية الموصى بها لطهي لحوم الخنازير واللحوم الأخرى.
كيف يمكنني حماية نفسي من اكتساب إنفلونزا الخنازير من أناس مصابين بالعدوى؟
إنّ حالات إنفلونزا الخنازير التي سُجلت في الماضي بين البشر كانت معتدلة عموماً، ولكن من المعروف أنّ تلك العدوى تسبّبت في وقوع مرض وخيم مثل الالتهاب الرئوي. وتحدث معظم الحالات حين يقع اتصال بين الناس وخنازير مصابة أو حين تنتقل أشياء ملوثة من الناس إلى الخنازير. الانتقال بين البشر يحدث بنفس طريقة الإنفلونزا الموسمية عن طريق ملامسة شيء ما به فيروسات إنفلونزا ثم لمس الفم أو الأنف ومن خلال السعال والعطس. لذلك علينا حماية انفسنا اولا بإرتداء اقنعة للوجه تحمينا من العدوى. ثانيا غسيل الأيدى بالماء والصابون عدة مرات بعد التعرض للحيوانات مع الحذر الشديد أثناء التعامل مع الحيوانات المريضة. ثالثا ستر الكحة والعطسة بمنديل ورقي تلقيه بعدها مباشرة.على المريض تجنب الخروج من البيت والتواجد بين الناس اذا ثبت انه يحمل فيروس انفلوانزا الخنازير.
No comments:
Post a Comment