إمرأة متعصّبة للبنانيتها، لأمومتها، لعملها، ولبرنامجها "الموضوعي". لم تقتصر علاقتها بالسياسيين على سؤال وجواب حول طاولة حوار مستديرة ، بل أجلستهم على مقاعد دراسة ودورات تدريبية. فبعد ان كانوا ضيوفها صاروا تلاميذها. فماذا تقول أستاذة السياسيين عن نفسها
؟!.
"تدريب على التمثيل"
ستة عشر عاما من العمل الإعلامي المتواصل لم تكفي بولا يعقوبيان لإعتبار الإعلام مهنتها الأساسية. فن تدريب السياسيين والمدراء التنفيذيين على الظهور الإعلامي وكيفية التعاطي مع الصحافي او ما يسمى Media training "هذه هي مهنتي الحقيقية، احبها اكثر من إدارة الحوار في البرامج السياسية او قراءة الأخبار. انها المهنة الأبقى والأوفى والتي ستستمر معي الى الأبد" تقول يعقوبيان.
هي التي بدأت مسيرتها الإعلامية في سن السابعة عشرة حين تنظر الى الوراء ترى كل تلك السنوات تارة قصيرة جدا ومضت بسرعة وتارة طويلة " كانت حياة مليئة بالإثارة ، بالتجدد" وتضيف فيما يدل على تناقض ما في حديثها " حين أراجع تلك السنين لا أتمنى ممارسة أي وظيفة أخرى في العالم غير الصحافة". بالرغم من ذلك الحب والشغف الكبيرين لتلك المهنة الا انها لا تتمنى لإبنها مزاولة الصحافة في المستقبل ، خوفا عليه من تلك الطريق الشاقة والصعبة والمتعبة كما تصفها.
خوفها على ابنها يبدو جليّا من خلال حديثها حول الأم العاملة وخاصة في مجال الصحافة. لا تمر لحظة لا تشعر فيها بتأنيب الضمير كما تقول لشعورها في بعض الأحيان بالتقصير او اهماله بسبب العمل ولكنها في المقابل تعرف كيف تعطيه الوقت النوعي الذي يحتاجه وليس الكمّ الفارغ من الوقت.
طموحها لا يقف عند حدود وإصرارها على تحقيق هذا الطموح يدفعها الى خوض غمار عالم الأعمال . فهي تعمل اليوم على تأسيس شركة خاصة بالـMedia training . " نحن في طور التأسيس للشركة التي على الأرجح سيكون اسمها Paula Yaakoubian training ، لكنني اقوم بإتصالات مع شريكي في نيويورك الذي هو مدرّبي ايضا ، للتباحث بالتفاصيل. على ان تبصر الشركة النور قريبا جدا". شركة جديدة من نوعها في لبنان، فقلة قليلة من المواطنين اللبنانيين يعرفون ان السياسيين يخضعون لدورات تدريبية على الظهور الإعلامي. لم تفصح يعقوبيان عن اي اسم لتلامذتها ، ولكنها تقول ان اي شخص يظهر على التلفزيون هو بحاجة للتدريب دون استثناء. " من الواضح ان السياسيين المصريين يخضعون للتدريب بشكل مستمر، اما في لبنان فالكل بحاجة الى التدريب برأيي . لطالما اعتقدت ان النائب نسيب لحود قام بدورات تدريب في لندن نظرا لأدائه الممتاز امام الكاميرا، ولكنني اكتشفت مؤخرا ان ذلك غير صحيح. لذا هو من السياسيين النادرين ان لم يكن الوحيد الذي اعتبره رجل دولة بالفطرة ولا يحتاج للدورات".
الدورات التدريبية ليست دورات لتعليم التمثيل كما شرحت بولا :" هذا ليس تمثيل كما يعتقد بعض الناس. فأنا لا يمكنني محو شخصية السياسي ولكن أرتّبها تلفزيونيًّا او أُرغلجه اذا صحّ التعبير . تماما كما يفعل المطرب لصوته. مع ان الكثير يعتقد ان الرئيس رونالد ريغن كان أفضل رئيس لأنه في الأساس ممثل، الا انني اخالفهم الرأي، ريغن كان يعتمد على أسلوبه وابراز شخصيته ، كان يعرف كيف يخاطب الناس ويُظهر شغفه".
يتوزع تلامذتها بين لبنان، قطر وتونس وغيرها من الدول العربية، يتعلّمون كيفية التعامل مع الكاميرا وطريقة النظر ولغة الجسد، الإلقاء ، والإجابة على أسئلة الصحافيين. منهم من يمتلك الموهبة ومنهم من تساعده بولا على تهذيبها الا انها لا يمكن ان تحوِّل الجميع الى "مخلوقات فضائية" كما تسمّيهم نسبة الى المحطات التلفزيونية الفضائية.
في المستقبل الحرية ... اما الحرة "ما بتحرز":
مشوار الألف ميل بدأته بولا في سن السابعة عشرة في محطة ICN اللبنانية في قسم الأخبار وتسلمت بعدها مركز سكرتير التحرير في الأخبار الإقليمية والدولية وقدمت على المحطة نفسها برنامجا سياسيا حمل اسم "السلطة الرابعة". في موازاة عملها درست بولا العلوم السياسية . استمر عملها ثلاث سنوات في ICN وانتقلت بعدها الى المؤسسة اللبنانية للإرسال وطلّت يوميا في البرنامج الصباحي نهاركم سعيد، وفي نشرة اخبار الفضائية اللبنانية.
وعن تجربتها في الـLBC تقول ان لها ذكريات جميلة جدا ولكنها لو "أطالت بالها" قليلا كانت ستحقق الكثير في تلك المحطة. لكنها لا تندم ابدا على خطوة قامت بها. بعد تركها LBC في العام 1999 انتقلت الى محطتي MTV و ART (حين كان هناك اتفاق دمج المحطتين في ما بينهما) وقدمت برنامجا سياسيا أسبوعيا. " لا يمكن ان تتصوري مدى فرحي بإعادة فتح قناة الـMTV واتمنى لهم الأفضل طبعا ".
قناة "الحرة" كانت محطتها التالية حيث عملت لمدة ثلاثة اشهر فقط قبل وقوع الخلاف الذي تحوّل مادة دسمة تناولتها كافة الوسائل الإعلامية. خصوصا وان الخلاف تزامن مع ترك زوجها الإعلامي موفق حرب ادارة المحطة. " عملت في الحرة لمدة تلاثة اشهر وقمت بتقديم ثلاث مقابلات فقط. لم أعرف ابدا سبب تصرف الإدارة الجديدة معي بتلك الطريقة ولكن ما حصل انني قمت بإجراء مقابلة مع النائب سعد الحريري، فطلبوا مني إجراء مقابلة أخرى مع احد اركان المعارضة. توجهت الى الوزير سليمان فرنجية ولكن المقابلة لم تجر بسبب أخطاء تقنية. بعدها لم يعطوني فرصة اجراء مقابلات فقلت انه لا بدّ من وجود حالة مرضية معينة فاستقلت".
وان كانت تسعى بولا الى الإنتقام من المحطة بطريقة ما والى ردّ اعتبارها أجابت :" ما بتحرز لأنني قمت فقط بإجراء ثلاث مقابلات . لا اريد ان انتقم من الحرة، بل اتمنى ان تصل الى اهدافها اذا كان لديها أهداف جيدة للمجتمع العربي"، ثم تستدرك ما قالته وتوضح :" ان توسيع مساحة الحرية هو هدف نبيل ولكن ماذا يحصل على هذا المذبح وعلى تلك الطريق ؟ يحصل العديد من الأخطاء. ان كان مرسوم للمحطة أهداف اخرى غير ذلك لا اعتقد انها ستحققها لأن العقل العربي لديه نظرة مسبقة للمحطة كونها اميركية".
لم تَسلَم بولا من الألسنة الجارحة لبعض الناس او الصحافيين ولكنها تأخذ الأمر بكل بساطة وضحكة عفوية "هم لا يحكمون على ماذا اقدم او على نوعيته". وهي لا تنفي ما قيل عن وساطة زوجها لإجراء مقابلة مع الرئيس الأميركي جورج بوش "هذا الكلام صحيح، حين قمت بإجراء المقابلة لم اكن اعمل في اي محطة تلفزيونية. التقيت ببوش في البيت الأبيض وطلبت منه شخصيا اجراء المقابلة. لا يهم اذا وصلت عن طريق زوجي الذي اعطاني فرصة التنزه في حدائق البيت الأبيض كما قال احدهم، اعتقد ان ما يجب ان يعلَّق عليه هو ان كنت استفدت من العشرين دقيقة التي اُعطيت لي ام لا. وإنتقاد شكليات وظرفيات المقابلة وليس مضمونها ما هو الا دليل آخر على نجاحها".
وبالحديث عن حرية الصحافة ومدى وجودها في لبنان والعالم العربي لا تتوانى يعقوبيان على الدفاع عن محطة "المستقبل الإخبارية" التي تقدم عليها حاليًّا برنامجها Interviews . " المحطة محترمة وسمعتها جيدة واستطاعت ان تأخذ محلها لبنانيا وعربيا في ظل المنافسة الصعبة في السوق الإعلامي العربي حيث توجد اكثر من 400 فضائية والأهم من ذلك ان لديها مصداقية. حتى المعارضين وأخصام المستقبل يعترفون ان تلك المحطة تعطي مساحة كبيرة للمعارضة وتستضيف كل الناس وتنقل جميع الأخبار، حتى انا شخصيا في بعض الأوقات أشعر وكأنني اشاهد أخبار الـotv او new tv عندما أشاهد اخبار المستقبل". مع ان كثر من اللبنانيين لا يشاطرون بولا الرأي بل يذهبون الى اعتبار المحطة طرف في النزاعات السياسية كما انها ، شئنا ام أبينا، مطبوعة باستمرار بلون معين ، تفسر يعقوبيان هذا الشيئ وتُرجع السبب الى اننا كأشخاص لسنا موضوعيين في تقييمنا بل نُطلق الأحكام المسبقة على كل شيئ.
والدليل الأكبر على كلامها ان أعضاء 8 آذار يقولون رأيهم بكل صراحة وبكل حرية على شاشة المستقبل، وتصف نفسها بأنها تقوم بدور محامي الشيطان في برنامجها :" عندما استقبل ضيفين في الحلقة أرتاح نوعا ما لأنني أقوم بإدارة الحوار . اما اذا كان ضيفي وحيدا أتقصد تمثيل وجهة النظر المعاكسة لضمان وجودها. ليس بالضرورة ان اتبع خط المؤسسة التي اعمل فيها. لماذا لا يرى الناس مثلا حين اشتبك مع مروان حمادة على الهواء ونختلف في وجهات النظر؟".
لبنانية بإمتياز:
بولا يعقوبيان من الأشخاص الذين يحملون همّ المجتمع بكل تنوعه وتعدد أطرافه لذلك تشعر على حد تعبيرها في بعض الأوقات انها تستطيع ان تدافع عن وجهة نظر الطرفين المتعارضين اكثر مما يستطيعون هم انفسهم، وهي قادرة على كشف نقاط ضعفهم :" الى هذا الحد تشرّبنا المواضيع والحجج بتكرار واستمرار".
واذا أسلمنا ان لمحطة المستقبل تبعية لفئة سياسية معينة غير ان يعقوبيان تعتبر نفسها المَلِكة الوحيدة في برنامجها :" ما يريحني انني أملك هامش لا بأس به من الحرية في برنامجي. لا احد يسألني ماذا سأقول او الى ماذا سأتطرق من مواضيع. بل العكس، نحن نتناقش مع الإدارة ونقوم بإجتماعات مستمرة الاّ ان احدا لا يفرض عليّ مواضيع معلّبة". وهذه الحرية ليست موجودة في محطات أخرى كما تقول بولا :" انا بهذا الكلام اضع مصداقيتي على المحك. المخاوف كانت موجودة دائما قبل ان ابدأ في المحطة ولكنني اكتشفت العكس ولا داعي ابدا للخوف لأن الحرية موجودة هنا".
وان كان برنامجها او البرامج السياسية بشكل عام تستطيع تغيير الواقع تعتبر يعقوبيان ان لا شيئ وحيد يمكن ان يغيّر الواقع الذي نعيشه. "فالنقطة لا تؤلف بحرا ولكن البحر هو مجموعة كل هذه النقاط. للفضائيات دور كبير ومهم اذا كان المجموع صحّي وجيد ويقدم مادة تحترم عقول الناس. وان كان للصحفيين همّ الحفاظ على الموضوعية والمصداقية وليس همّ تعبئة صفحات وصرف الحبر على الأشياء التافهة. يمكن فهم ان تقوم محطة ما بتغييّب خبر ولكن ان تحوّره وتكذّبه فهذا غير مقبول". لذا تقول ان على الفرد ان يكون واعيا متابعا كي يعرف الحقيقة من الكذب لأن الناس تصدق عادة كل ما تقوله التلفزيونات.
اما في لبنان فتستبعد يعقوبيان ان تكون هذه هي الحال :" في لبنان لا يمكن ان تكذبي او ان تقلبي الحقائق. هذا امر صعب. فالمحطات في تنافس مستمر والذي ينتهج تلك الطريقة في الإعلام لن يستمر ولن يكون صاحب مصداقية عند الناس". ولكنها في الوقت عينه لا تنفي وجود حد ادنى من الغش في المحطات اللبنانية.
وتضيف ان حيوية الحياة السياسية في لبنان تعود الى تنوع الصحافة وخبرة ومعرفة الصحافيين "وهذه نعمة لا نقدّرها الا حين نخرج الى الدول المجاورة".
لربما زاد عدد تلامذة بولا في صفوف الـmedia training مع اقتراب موعد الإنتخابات النيابية، ومع انها لم تصرّح الى اي فئة سياسية تنتمي الا انها تشجع الجميع على الإنتخاب "ولو بورقة بيضاء، هذا تعبير عن الرأي مهم جدا، وحتى الورقة البيضاء لها تأثير". وتضيف "من المستحيل ان لا يكون لدى الفرد موقف بالمطلق. مواطنيتك ووطنيتك معا يجبرانك بإتخاذ موقف ما. وانا شخصيا مواطنة من هذا البلد أعيش مشاكله وأعيش هناءه اذا وجد يومين هناء فيه. انا مع بلد سليم معافى اربي ابني فيه بأمان واستقرار . انا خلقت هنا وأموت هنا"
No comments:
Post a Comment