المرض ليس من "شيم" الزعماء


20 آب 2009 - العدد 3398 - شباب - صفحة 11

في المجتمعات الديمقراطية، كما في تلك الديكتاتورية، يبقى في الظلمة ما يجب أن يبقى الى ان تكشفه صفحات التاريخ، هذا اذن كشفته. وبالاضافة الى الصفقات والإتفاقات واللعبة الخفية الموسومة بالسرية، ثمة أشياء أخرى تعتبر ايضا سرا من "أسرار الدولة"، وتتمثّل بمرض الزعماء والقادة سواء جسديا او ذهنيا، و يبقى المرض طي الكتمان لفترات طويلة. فكم من العامة علم بما كان يعانيه الرئيس كنيدي من اصابته بنحو 15 مرضا مختلفا أخطرها "اديسون"، وكيف أنه اعتمد على الهرمونات للبقاء حيا؟. وقد كان مزاج الرئيس وقراراته تتغير بتغير الأدوية التي يتعاطاها. أسرار كينيدي وغيرها تزدحم بها صفحات كتاب "المرض والسلطة" (in sickness and in power) الذي وضعه اللورد ديفيد أوين بغية الاضاءة على جوانب خفية من حياة الزعماء.
يروي أوين في كتابه كيف أن الرئيس غروفر كليفلاند أجرى عملية جراحية لسرطان الفك على يخت في مرفأ نيويورك عام 1893 وقد روِّج على ان الرئيس لا يعاني اكثر من ألم في الأسنان. الرئيس الأميركي ثيودور روزفلت كان يعاني من bipolar، اي ان مزاجه كان يتغير في لحظات بين الفرح الشديد والحزن او الغضب الشديد. وهتلر لم يكن مجنونا، ولكنه كان يعاني من الغطرسة وهي اشد فتكا، وكذلك عانى ستالين من جنون العظمة، و تشرتشل من الإكتئاب، وتعرّض دوايت أيزنهاور لأزمة قلبية خطيرة بينما كان يلعب الغولف عام 1955.وتطول اللائحة في الذهاب الى ابعد من ذلك لتحليل مدى تأثير المرض على اتخاذ القرارات السياسية المصيرية.
يبحث الكاتب في الفصلين الأول والثاني مرض رؤساء الدول في القرن العشرين، ولا سيما خلال فترة 1901 وحتى عام 2007. ثم هناك خمسة فصول اخرى تتعرض لأحداث تاريخية بعينها. فالفصل الثالث يتحدث عن مرض رئيس الوزراء البريطاني ابان ازمة السويس عام 1956 انطوني ايدن، والفصل الرابع يبحث في تصرف الرئيس جون كينيدي عام 1961 اثناء ازمة خليج الخنازير وأزمة الصواريخ الكوبية عندما عقد لقاء بينه وبين الزعيم السوفياتي نيكينا خروتشوف وارتباط ذلك بصحته والتغييرات في المعاملة التي حدثت بين الحالتين والفصل الخامس يعنى بمرض شاه ايران اثناء السنوات الخمس الأخيرة من حكمه. ويبحث الفصل السادس في مرض الرئيس الأسبق فرنسوا ميتران الذي كان مصابا بسرطان البروستات طوال فترة سنوات حكمه تقريبا ولم يكن الرأي العام على علم بذلك طوال احد عشر عاما.وتجري في الفصل السابع مناقشة السلوك المتغطرس لكل من الرئيس جورج بوش وطوني بلير.وفي الفصل الثامن أفكار مطروحة لحماية المجتمعات من الآثار التي قد تكون مدمرة لمرض بعض زعماء الدول.
يسجّل الكتاب حكاية شاه ايران الذي أصيب في العام 1973 بسرطان الغدد اللمفاوية، وقد ابقي على مرضه سرا حتى العام 1979، حين ساء وضعه الصحي كثيرا. وكانت رغبة الشاه عدم اطلاع الأميركيين على وضعه الصحي لما قد يترتب على ذلك من تبعات سياسية. حتى انه كان يخشى التحدث عن مرضه امام اركان حاشيته. ولو كانت الحكومات الغربية تعلم بمرض الشاه لمارست عليه المزيد من الضغوط للتنحي عن السلطة.وفي عام 1978 بدأت تظهر على الشاه بوادر التوتر المصحوب بالشعور باليأس. القصة الحقيقية للشاه في جوهرها هي إجهاد وسرطان أخذ كل منهما يغذي الآخر. كما يستعيد الكتاب وصية الرئيس الفرنسي الأسبق فرنسوا ميتران عندما اكتشف بان لديه بروستاتا متضخمة ومتصلبة:" مهما يحدث يجب ان لا تكشفوا عن اي شيئ فهذا سر من اسرار الدولة". وكانت تلك الفترة بأكملها تعتبر " 11 عاما من لعبة التمويه مع الموت". وقد تحول الكذب الى عنصر في الحياة اليومية حتى انتقل الى مجالات صنع السياسات. وقد اعتبرت صحيفة ليبراسيون ان اصرار ميتران على التزام السرية إخفاء مرضه قاد الى اكثر الحملات غير القانونية شمولا ضد الخصوصية في التاريخ الجمهوري الفرنسي".
يحمل الكتاب في طياته الكثير من الحقائق ويدعو القارئ عند كشفه تلك الحقائق التاريخية والطبية الى التخبط في تساؤلات عدة. ما هو أثر المرض على السياسي؟ما هو أثر المرض على القرارات السياسية؟ هل يمكن لرئيس مريض اتخاذ قرارات صحية؟ ومن ثم يأتي دور الطبيب المعالج. لماذا يخفي الطبيب مرض الزعيم؟ وهل يجب ان يكون ولاء الطبيب لمريضه كما هي العادة ام يجب ان يأخذ بعين الإعتبار صحة الأمة؟.
تبدو القصة للحظة كقصة الدجاجة والبيضة. هل السلطة هي التي تفسد السياسيين ام السياسيين المرضى يفسدون السلطة؟. يشير الكتاب الى ان بوش لا يركز، وهو شارد الذهن، غير فصيح، ودماغه لا يعمل بشكل عادي، يعاني من الديسلكيا والحركة المفرطة واضطراب الشخصية. اما بلير فانه يعاني من النرجسية وقلة النوم، ومن يجمع الإثنين يقع في الوثوق المفرط في النفس ورفض اي نصيحة او مشورة تتعارض مع ما يعتقده.
ويكبر السؤال عن امكان حماية المجتمعات من مرض الزعماء؟

No comments:

Post a Comment