التلامذة "حمّالو أسيّة".. الحقيبة المدرسية

المستقبل - الاربعاء 23 أيلول 2009 - العدد 3431 - تحقيقات - صفحة 9

مع اقتراب الاستحقاق المدرسي ينشغل الأهل كما الطلاب بتأمين مستلزمات العام ولعلّ اهمها الحقيبة التي ستحفظ القرطاسية والكتب. تلك الحقيبة التي باتت تستحوذ على المساحة الاكبر من التحضيرات، بعد تحويل وظيفتها من حمالة للكتب الى معبر عن شخصية حاملها
من خلال نوعيتها او لونها وما تحمل من صور. وفيما ينهمك الطلاب في التفتيش عن الاجمل منها بحسب البطل الذي يفضلون، يسهون ومعهم الاهل عن ضرورة توافر الشروط الصحية اللازمة فيها لمنع مقاساة آلام الظهر او على الاقل تجنب الاصابة بها على المديين القريب والبعيد. كثيرون من هؤلاء الاهل لا يقدرون حجم خطورة الحقيبة المدرسية على صحة اطفالهم خصوصاً اذا ما حملت أثقالا تفوق اعمارهم وقدرتهم على التحمل. وعدم التقدير هذا ربما يعود في جزء كبير منه الى عدم وعي منهم لذلك والى قصور المعنيين والتربويين في المدارس عن القيام بالتوعية لهذا الامر ان من خلال ارشادات يوزعونها في المدارس والمكتبات او عبر الاعلانات المتلفزة.
الوعي الى لب المشكلة اليوم في لبنان بدأ يتنامى وان كان ما زال قاصراً مقارنة والدول الكبرى. وفي وقت يشهد فيه العالم الحقيبة الرقمية والـ"stick" او العصا الاكترونية السحرية التي استعاض بها الطالب عن الحقيبة، خطت وزارة التربية والتعليم العالي منذ ايام وبهمّة المركز التربوي للبحوث والانماء، الخطوة الاولى في طريق الألف ميل نحو حماية سلامة ابنائنا من مخاطر الوزن الزائد باصدار المناهج الجديدة والمطورة لمرحلة الروضة وللحلقة الاولى من التعليم الاساسي. وفي موازاة ذلك كانت بعض المدارس الخاصة ومنذ سنوات قريبة بادرت الى اعتماد مثل هذه الخطة عبر تجزئة الكتب للتخفيف من وزن الحقيبة، وتشكل تلك التابعة منها لمؤسسة الحريري نموذجاً رائداً في هذا الاطار. هذا وتنشط بعض الجمعيات واهمها "اللجنة اللبنانية للوقاية من الحوادث المدرسية" التابعة لتجمع "اليازا"، في اطار التوعية الى خطورة ثقل الحقيبة من خلال محاضرات تعقدها في المدارس في مختلف المناطق. والى ان يصار الى بداية تطبيق خطة الوزارة بشكل تجريبي في أربع مدارس في العام المقبل، يبدو المشوار في اتجاه الحقيبة الرقمية او الالكترونية أشبه بالحلم او بالامنية المستعصية التي نحتاج الى تحقيقها عصا الكترونية سحرية !

وللمراهقين حقائبهم
وكما الاطفال يتفنن المراهقون باختيار الحقائب المدرسية، وهم وإن كانوا يبعدون في اختياراتهم عن الصور والالوان فانهم يلجأون الى اختيار الحقائب "الصرعة" التي تحمل على كتف واحد اعتقاداً منهم انها اكثر عملانية، او تلك المزوّدة بعجلات رغبة منهم في تسهيل مهمّة الحمل. وان بدت تلك الحقائب أسهل في الاستعمال إلاّ انها وبحسب الاطباء ربما تكون أسوأ من تلك التي تحمل على الظهر خصوصاً اذا لم يتم خلال استعمالها مراعاة كيفية وضعها او جرّها وكيفية اختيارها أصلاً.
وفي نتائج الأبحاث الطبية، فإن حمل حقيبة مدرسية ثقيلة على كتف واحدة كل يوم كفيل بأن يتسبب في أضرار بالغة في العمود الفقري وقوام الإنسان. وعلى المدى البعيد قد يؤدي ذلك ايضاً إلى الإصابة بضعف وظيفي في مناطق معينة في العمود الفقري وإعاقة حركته، او حدوث انزلاقات غضروفية ونشوء وسائد مليئة بالماء توضع بين عظام الفقرات وبالتالي الإصابة بترقق العظام، لذلك ينصح دائماً بالابتعاد عن الحقائب

بكتف واحد حتى لو كانت موضة السنة.
شكل آخر من الحقائب المدرسية ذات العجلات التي تساعد الأطفال على تحريكها من خلال الدفع. إلاّ أنه لا بد من التنبه إلى الوزن الكلي لهذا النوع من الحقائب مع القاعدة المصنعة من مادة خفيفة الوزن. كما ان مقبض الحقيبة يجب ان يتناسب وطول الطالب، وينصح عادة بهذا النوع من الحقائب للطلاب الذين لا يضطرون الى صعود السلالم في البيت او المدرسة تلافياً لحمل الحقيبة في يد واحدة ما قد يفاقم بالتالي حجم الضرر على الجسم.
وفي هذا الاطار يؤكد رئيس الهيئة اللبنانية لحقوق الطفل الدكتور برنارد جرباقة ان "وزن الحقيبة المدرسية لا يجوز ان يتعدى الـ10% من وزن التلميذ ، ولكن للأسف في بعض الأحيان فهو يتعدّى في اكثر المدارس في لبنان الـ 25% من الوزن المسموح به طبيّاً.
ويشدد على ان "ذلك يؤثر مباشرة في صحة الطفل فتظهر عليه عوارض ألم الظهر وأوجاع الرأس والتعب ما ينعكس بالتالي على آدائه في المدرسة وقلّة في التركيز خلال الدرس". لافتاً الى "ان وزن الحقيبة ليس سبباً مباشراً لاعوجاج العمود الفقري لكنه قد يكون عاملاً مساعداً اذا ما كان لدى التلميذ استعداد لمثل هذه التشوهات".

خطى ثقيلة في لبنان
لم تغفل وزارة التربية عن مدى خطورة ثقل الحقيبة المدرسية على صحة الأطفال، وهي وإن أتت بالحل متأخراً وجزئياً، إلاّ انه بما هو عليه يشكّل خطوة في طريق الألف ميل نحو حماية سلامة ابنائنا من مخاطر الوزن الزائد. فبعد 12 عاما على صدور مرسوم تعديل المناهج التربوية صدرت المناهج الجديدة والمطورة لمرحلة الروضة وللحلقة الأولى من التعليم الأساسي، وتمّ التوافق على التخفيف من الكتاب المدرسي ودمجه وبالتالي إلغاء الحقيبة الثقيلة. هذا وسيبدأ العمل في هذه الخطوة مطلع العام الدراسي المقبل 2010-2011 وكمرحلة تجريبية في مدرستين رسميتين واخريين خاصتين في كل محافظة لاستخلاص العبر والاستفادة من التجربة واخذ الملاحظات للتطوير والتعديل. وبهذه الخطة سينخفض محتوى الحقيبة من سبعة كتب مع الدفاتر والتطبيقات إلى ثلاثة فقط، حتى انه يمكن تجزئتها طباعياً.
وبعيداً من الحلّ المرتقب للعام المقبل والمحدّد بداية في اربع مدارس خاصة ورسمية، فإن مشكلة وزن الحقيبة لم تأخذ حقّها من المعالجة بالشكل الرسمي حتى الآن وبقيت المبادرات فردية من قبل بعض المدارس الخاصة. مبادرات حصرت في صفوف الحلقة الاولى دون غيرهم واقتصرت عند قلّة من المدارس على اعتماد تقسيم الكتب الى أجزاء وتأمين خزانات خاصة للتلاميذ لايداع ما يلزمهم من كتب لليوم التالي فيها، فيما اعتمدت اخرى اضافة ساعتين للدروس لاغناء الطالب عن حمل الكتب الى البيت. اما المدارس الرسمية فغاب عنها التقسيم للكتب والخزانات او حتى طبقات الطاولات خصوصاً في مدينة بيروت وضواحيها وتحديداً في المدارس المفتوحة للدوامين الصباحي وفي فترة بعد الظهر لتعويض النقص في المدارس. ولتحسين أوضاع المدارس تدأب جمعية "اليازا" في كل عام على تنظيم المحاضرات.
وتشكل مدارس الحريري نموذجاً رائداً عن المدارس الخاصة. وتشرح مديرة هذه المدارس في بيروت ( ليسيه عبد القادر، الحريري الثانية والثالثة ) عن مدى إهتمام الإدارة بموضوع وزن الحقيبة المدرسية في السنوات الماضية. "قمنا بإجراء عدد كبير من المحاضرات للتلاميذ والأهل معا حول إختيار الحقيبة المناسبة وكيفية حملها". وترى "ان اساس المشكلة يكمن في الخوف الذي يتملك الأهل يوميا من نسيان اولادهم للكتب فتبعث الأم احيانا مع التلميذ كتبا ليس بحاجة اليها وهذا امر غير مقبول ابدا. كما اننا منعنا ايضا الحقائب المجهزة بدواليب لأنها غالبا ما تكون مسببة للحوادث".
وتتابع "طوِّع النظام عندنا لخدمة التلميذ وسلامته. فالمصاعد موجودة في المباني كافة، والصفوف مجهزة وكل تلميذ له خزانة خاصة للكتب مع قفل. وللصفوف الإبتدائية والروضات طاولات تفتح لتخزين الكتب". ممنوع على التلميذ ان يأخذ معه الى البيت سوى الكتاب الذي يحتاجه لدرس اليوم التالي، كما نمنع حمل حافظات الأقلام. وهذه السنة قلّصنا عدد دفاتر التطبيق وحجمها وتم دمج المواد مع بعضها". وتؤكد "ان مراقبة حمل التلاميذ للحقائب هي من ضمن مسؤوليات النظّار والمراقبين في المدرسة فيوقفون اي تلميذ يحمل حقيبته بطريقة خاطئة ويصلحونها كما ان الأساتذة وخصوصا اساتذة الرياضة يقومون بإعطاء النصائح اسبوعيا للتلاميذ حول كيفية الجلوس في الصف والى ما هنالك. وما يميّز مدارس الحريري في بيروت وجود ممرضات بشكل دائم في المدرسة وأطباء متخصصين لإجراء فحوصات دورية عامة وخصوصا في العمود الفقري للتلاميذ".
وفي موازاة ذلك تنظم مديرية الصحة الإجتماعية في مؤسسة رفيق الحريري، في بداية كل عام دراسي، برنامج محاضرات من ضمنها التوعية حول الحقيبة المدرسية في المدارس. وتقول مديرة الخدمات الصحية الإجتماعية في المؤسسة رانيا الزعتري ان تلك الموضوعات تطرح على الطلاب والهيئة التعليمية والأهل في مختلف المدارس في كافة المحافظات. ويعمل فريق عمل متعدّد الإختصاصات في التوعية وذلك بطريقة علمية ومبسطة مستخدمين العديد من الوسائل الإيضاحية ومراعين الفئة العمرية.. وتضيف "تناولت المحاضرات نقاطا عديدة حول المواصفات الصحية لحمل الطالب للحقيبة وقد لاقت تجاوباً من قبل إدارات المدارس نظرا الى الأساليب الحياتية اليومية الخاطئة التي يمارسها تلاميذ المدرسة من دون ادراك الأهل ووعيهم".

حل..ناقص
خطوة المركز التربوي مهمّة جداً إستنزف الوصول اليها 12 عاماً وهي الفترة نفسها التي يقضيها التلميذ في المدرسة مع الحقيبة قبل الوصول الى الجامعة ، لكنها تبقى ايضاً ناقصة اذ انه لم يضع إصبعه على الجرح لان اصل المشكلة وبحسب الدراسات يتخطّى المرحلة الاولى من التعليم الاساسي التي لحقها الحل، الى الطلاب من عمر الـ11 وما فوق اي الذين باتوا في الصفوف التكميلية. وتقول دراسة طبية أميركية بعنوان "صلة الحقائب المدرسية بآلام الظهر عند المراهقين"، أن آلام الظهر تتضاعف بصورة مثيرة خلال فترة المراهقة بسبب حمل المراهقين لحقائب مدرسية مليئة بالكتب الثقيلة، والكثير من الطلبة الصغار لا يعانون من أية آلام لكن الألم يأتي لاحقا".
الى ذلك دعم البروفيسور وطبيب العلاج الفيزيائي في جامعة أوبورن الأميركية ديفيد باسكوس نتيجة الدراسة بعدما اكتشف تأثير حمل الحقائب المدرسية على الحالة الصحية للأطفال الذين تتراوح أعمارهم مابين 11 و13 عاماً ، ولاحظ وجود اعوجاج في العمود الفقري لدى بعض الطلبة وكذلك إصابتهم بالتهابات عضلية على الكتف الذي تحمل عليه الحقيبة.
وكانت "لجنة سلامة المنتج للمستهلك" الأميركية ، قدّرت نسبة الطلبة الذين تمّ علاجهم في غرف الطوارئ في السنة الماضية من إصابات لها صلة وثيقة بحمل الحقائب المدرسية باكثر من 30 في المئة، وقد لاحظت عدم وجود استقامة طبيعية في العمود الفقري لدى بعضهم في عمر الخامسة والرابعة عشرة.
وفي دراسة أجريت في ميلانو في إيطاليا تبيّن أن متوسط وزن الحقيبة التي يحملها الطالب يبلغ نحو 13 كيلوغراماً. وكشف بحث قدّمته الأكاديمية الأميركية للطب البدني وإعادة التأهيل الصحي أن الطلبة الذين يحملون حقائب تحتوي على أوزان تشكل 25 في المائة من وزنهم تظهر عليهم مشكلات أثناء أدائهم أعمالهم العادية والطبيعية، وعلى العكس فإن الذين يحملون أوزاناً تشكل 15 في المئة من وزنهم يحافظون على توازنهم ويؤدون أعمالهم الطبيعية باعتدال.

دول عربية سباقة
تنبّه بعض الدول العربية الى خطورة الحقيبة المدرسية فكانت قطر الرائدة في هذا المجال بادخالها نظام الحقيبة الرقمية في احدى مدارسها، من خلال نموذج ريادي معتمد في احدى مدارس البنات فيها. وقد عُرضت الأهداف الإستراتيجية للمشروع الذي يتم بالتعاون مع سنغافورة ويشمل مواد الرياضيات والعلوم واللغة الانكليزية، ويقضي الاستغناء عن الكتب المدرسية للمواد المذكورة ودفاتر التطبيق لأنه مطابق لحاجات الدولة. ويتيح نظام الحقيبة الرقمية امكان عودة المتعلم مراراً للاطلاع على الدرس والاستماع صوتياً الى الشروح وجعل التمارين اللغوية والعلمية جذابة ومسلية. ومن أبرز الأهداف: دعم عملية التعليم في المرحلة المقبلة، وتسليح التلامذة بالمهارات اللازمة لمواكبة القرن الحادي والعشرين ودمج الأساليب الالكترونية الحديثة بعملية التعليم. علماً ان الكتب الدراسية ليست إلزامية ولذلك يتّم تزويد التلامذة بالمنهج الالكتروني ليكون أحد مصادر التعلّم، بالاضافة الى التحضير والتجهيز لتدريس المنهج الالكتروني جنباً الى جنب مع منهج المدرسة نفسه، ومن المتوقّع من هذا المشروع تزويد التلامذة بالخبرات والمهارات اللازمة لإعداد مواطنين منتجين ومسؤولين جاهزين لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين.
وفي الاطار عينه حاولت دولة الكويت الحد من خطورة الحقيبة المدرسية فبدأت بالطرق النظرية المتيسرة، حيث تنبّه المعنيون الى المشكلة ونسقت الوزارات في ما بينها لتعزيز التثقيف الصحي لدى جميع فئات المجتمع والإسهام في سد فجوة الثقافة الصحية بين الطالب والمرافق الصحية. ولهذا الغرض تمّ العمل على تصميم موقع إلكتروني خاص بالتوعية حول الحقيبة المدرسية وكيفية اختيار تلك المناسبة منها وكيفية حملها، بالإضافة الى نصائح متعدّدة للتلميذ والأهل معاً. وفي موازاة ذلك تمّ بث إعلانات عبر التلفاز تدعو الى تخفيف وزن الحقيبة تحت عنوان: "تخفيف حقيبتي ضمان سلامتي".

الحقيبة المدرسية الرقمية:
عمل الألمان منذ العام 2006 على تجربة اول نظام للحقيبة الإلكترونية الرقمية التي تغني الطفل عن النوء بثقل الحقيبة الكلاسيكية. والحقيبة الرقمية هي عبارة عن عصا الكترونية stick تحتوي على المناهج اليومية وتربط على الكمبيوتر والأجهزة الأخرى بواسطة توصيلة USB، وتتضمن كراس الوظائف البيتية. ويستعيض التلميذ عن القلم بالماوس وعن الدفتر والكتاب بشاشة الكمبيوتر. وتولّى المعلم اندرياس كرودر تطبيق نظام هذه الحقيبة في مدرسة كارل سورتنزن في مدينة بيننبيرغ الواقعة ضمن ولاية شليسفيج هولشتاين. وأعلن كرودر عن نجاح النظام بدرجة عالية بين تلاميذ الصفوف الأولى من المدرسة الذين تتراوح أعمارهم بين الست والتسع سنوات. وتمّ على هذا الأساس، منذ مطلع العام2007، منع التلاميذ من حمل الحقيبة المدرسية والاستعاضة عنها بالعصا الإلكترونية "السحرية".

لغة عربية، ولغة اجنبية، ورياضيات، وعلوم، وتاريخ، وجغرافيا، وتربية وغيرها من الكتب التي لا يقل وزن الواحد منها عن النصف كيلو، زد على ذلك دفاتر التطبيقات بالإضافة الى الدفاتر الخاصة بكل مادة، عدا عن حصص الفواكه والسندويش وعبوة الماء، ما يجعل الوزن الذي يضطر التلميذ الى حمله يومياً من المدرسة واليها يتراوح بين 7 الى 10 كلغ حسب الكتب المطلوبة. أضف الى ذلك ان الأساتذة غالباً ما يطلبون استعمال دفاتر سميكة تحتوي على أكثر من 100 ورقة ما يضاعف وزن الحقيبة ومعه يتضاعف خطر الإصابة بألم الظهر خلال فترة المراهقة.
وتحتل الحقيبة المدرسية المركز الأول في اهتمامات التلامذة في الأيام الأخيرة التي تسبق موعد بدء السنة الدراسية. تراهم يرافقون ذويهم الى المكتبات ليختاروا بأنفسهم شكل الحقيبة التي سترافقهم خلال رحلتهم الى المدرسة ومنها لتسعة أشهر. الذكور منهم يفتشون عن تلك التي تحمل رسومات لأبطال شاشات التلفاز مثل سبايدرمان وباتمان وسوبرمان مشترطين ان تكون مزودة بعجلات، فيما تبحث الفتيات عن باربي وفلّة والحقائب ذات الالوان الزهرية والفاتحة.

الحقيبة... والشخصية
لم تعد وظيفة الحقيبة عند الجنسين تقتصر على حمل الكتب بحيث باتت ومن خلال نوعيتها والصور التي تحملها المعبّر عن مستوى الطالب وشخصيته من خلال أولئك الذين يرغب في التمثل بهم. وازاء ذلك فان الاهل اكثر ما يتوقفون عند السعر في حال المعارضة من دون الالتفات الى ضرورة ان تجمع الحقيبة لشروط سلامة طفلهم كمثل ان تكون مبطنة لحماية ظهورهم ومزودة برباط يلف على الصدر لتثبيتها في الظهر وبالتالي الحفاظ على استقامة العمود الفقري لدى أولادهم. هم لا يقدّرون حجم خطورة الحقيبة المدرسية على صحة اطفالهم، وربما يعود ذلك في جزء كبير منه الى عدم وعي منهم لذلك والى قصور عام .
في احدى المكتبات الكبرى في بيروت ينهمك عمر ابن السنوات العشر في اختيار الحقيبة المناسبة. يقف امام ستاند كبير مليء بأنواع الحقائب المدرسية المتعدّدة الألوان. أبطال الكرتون والقصص الخيالية يجتاحون الحقائب فتحتل صورهم مقدمتها لتكون بالتالي الحقائب الأكثر طلباً في كل عام. سوبرمان، باتمان، سبايدرمان، ابطال البوكيمون، باربي ودورا وغيرهم الكثيرون. من هنا تبدأ رحلة البحث عن الحقيبة المثالية. الإختيار صعب بالنسبة اليه لأن الحقيبة بنظره يجب ان تعبّر عن "صورتهimage " الشخصية، لذلك فهو يسعى الى اختيار الأفضل علّها تكون الأجمل بين رفاق الصف على الأقل. من هو البطل هذا العام؟ يقول عمر انه لم يعد يهتم كثيراً للشخصيات الكرتونية المضحكة كبارني مثلاً فهو يحتاج بطلاً قوياً يلفت الأنظار ويحبه الجميع. يحتار بين سوبرمان الذي أصبح تقليدياً نوعاً ما وبين سبايدرمان. يطلب من والدته إعادة البحث مرة أخرى عن حقيبة تحمل صورة هاري بوتر الساحر العجيب الذي يحاول أن يتماهى به عمر. الحظ لا يحالفه هذه المرة وهو مضطر الى الإختيار من الموجود كما تقول أمه. يقرّر أخذ سبايدرمان ويختار الحقيبة ذات اللون الأزرق وبضحكة بريئة يرافق والدته الى الصندوق.

الأهل لا يتنبهون
قليلون من الاهل او ربما نادرون أولئك الذين يتنبهون الى أهمية توافر المواصفات الصحية في الحقيبة المدرسية، فيما يقتصر بحث الكثيرين منهم عن تلك المناسبة لحجم الكتب والمال المخصص لشرائها. جلّ همهم وبكل بساطة إرضاء الولد بما هو "رخيِّص وكويِّس" كما يقولون. هم لا يدرون ان الكويِّس الصحي يتعدّى ذلك المفهوم الخاطئ لديهم ، كما يتعدّى القدرة الشرائية للكثيرين منهم ، بحيث ان سعر الحقيبة التي تحتوي على المواصفات الصحية لا يقل عن 40 دولاراً وهو مبلغ كبير بالنسبة الى العائلات المتوسطة التي تضطر الى شراء أكثر من حقيبة فكيف الحال بالنسبة الى الفقيرة او المعدومة منها. وفيما ينتشر في الأسواق الكثير من الحقائب المدرسية المتنوعة الأشكال والألوان التي تغري الطفل باقتنائها، تكشف اللجنة اللبنانية للوقاية من الحوادث المدرسية (اللاسا) وفي دراسة أجرتها بالتعاون مع مؤسسة الأبحاث العلمية (SRF)، وجود حقائب غير صالحة للاستعمال من الناحية الصحية، وقد ينطوي استخدامها على أخطار تهدّد صحة الاطفال وسلامتهم لعدم توافر المواصفات اللازمة فيها. ومنها أن تكون الأحزمة الخلفية عريضة ومبطنة كما الجزء الخلفي، ليخفّف ذلك من تأثير ثقل محتوياتها على العمود الفقري. بالاضافة الى ان تكون مزودة بحزام يربط حول خصر الطفل أو صدره عند حملها فوق الظهر، يجعلها قريبة دائماً من الجذع ويساهم في توزيع الثقل على منطقتي الظهر والحوض ما يحقق توازناً أفضل للجسم أثناء حمل الحقيبة. كذلك تلحظ اللجنة اهمية التنبه إلى وضعية جلوس الطلاب وخصوصاً الصغار منهم على مقاعد الدراسة بطريقة صحيحة وعدم الجلوس بظهر مقوّس، إذ ان ذلك يحمل ضرراً لا يقتصر فقط على العمود الفقري والهيكل العظمي فحسب، بل قد يطال جميع أعضاء الجسم الداخلية بما فيها الدورة الدموية ومنع وصول الدم وتدفقه بشكل مرن وسهل إلى جميع أنحائه. ويؤكد مستشار "اللاسا" زياد عقل ان " الحقيبة المدرسية في لبنان لا يقلّ وزنها عن عشرة كيلوغرامات وخمسة في المئة من الأطفال معرضون للإصابة بمشاكل صحية دائمة أغلبها في العمود الفقري، ونحن نقوم منذ سنوات بزيارات عديدة لمختلف المدارس للتوعية حول خطورة تكرار حمل الحقائب المدرسية الثقيلة على صحة الأطفال.

الى ذلك طرحت أنتل "محفظة مدرسية رقمية" موجّهة لأطفال المدارس ومجهزة بأحدث البرامج التعليمية في إطار عملها لتقديم حلول ناجحة للتدريس عن بعد للتلميذ والمعلم على حد السواء. وتعمل الحقيبة بنظام تشغيل (ويندوز إكس بي)، وهي مجهزة بشاشة عرض بمقاس 9 بوصات، ومعالج أنتل أتوم وبذاكرة(1 جيغابايت) وقرص صلب(16 جيغابايت) وخاصية الواي فاي. كما انها مجهّزة بنظام اختراق يسمح للمدرسين بمراقبة الفروض المدرسية للتلاميذ ومساعدتهم على حلّها ، فضلاً عن نظام حماية يساعد على التحكم في المواقع الممنوعة التي يمكن للأطفال الدخول اليها كما تتيح للأولياء معرفة عدد الساعات التي يقضيها أطفالهم أمام شاشة الحاسوب.

نصائح للتوعية
  1. يجب أن تكون الكتب رقيقة الغلاف ومن عدة أجزاء .
  2. تحاشي المطرات التي تسع 500 غرام وما فوق وأخذ قناني صغيرة من البلاستيك .
  3. تحديد البرنامج بغية ألاّ يجلب التلاميذ الكتب كلّها.
  4. تحاشي حمل الحقيبة في حال الانتظار لأكثر من خمس دقائق .
  5. إعتماد دفاتر خفيفة ( 100 صفحة بدلاً من 300).
  6. مراقبة وضعية جسم التلميذ في الصف جالساً كان أو واقفاً وحاملاً الحقيبة .
  7. تأمين خزانات ذات أدراج تقفل بالمفتاح للتلاميذ كلهم .
  8. تحديد تنقل التلاميذ داخل المدرسة وهم يحملون الحقيبة .
  9. التعاقد وأطباء اختصاصيين في الفحص الطبي المدرسي للكشف باكرا على العمود الفقري.
  10. تفادي وضع الصفوف الابتدائية في الطبقات العليا.
  11. أثناء حمل الحقيبة ينبغي ثني الجسم عند الركبتين فقط وليس الجزع، إذا كانت ثقيلة قليلاً.
  12. لا بد للطالب من رفع رأسه عند حمله الحقيبة، للتخفيف من المضاعفات.
  13. تجنب وضع حمالة حقيبة واحدة على كتف واحدة.
  14. حمل الحقيبة على الظهر فقط وربط حزام الحقيبة المثبت على الوسط.
  15. التنبه الى ملاءمة الحقيبة لعرض الظهر وطوله.
  16. رص الكتب عمودياً داخل الحقيبة بحيث يكون الأثقل قريباً من الظهر.
  17. استخدام الكمبيوتر لتخزين المواد الدراسية على أقراص مدمجة.
  18. على الأهل ان يأخذوا بجدية كل ما يشكو منه ابناؤهم من آلام ناتجة عن حمل الحقيبة المدرسية.

No comments:

Post a Comment