المستقبل - الاثنين 14 نيسان 2008 - العدد 2933 - ملف - صفحة 11
يقول Bobby Jagdev: "اذا كنا نريد السلام، علينا التحضير لحرب".لم يكن صاحب هذه المقولة من ركاب بوسطة عين الرمانة وكان بمنأى عن قساوتها كمعظم شباب لبنان. وهولم يأكل خبزاً وزيتاً طوال ايام عديدة، ولم يشتم رائحة البارود الممزوجة برائحة الجثث المحترقة مثلهم. شباب تتجاذبه تناقضات تنعكس في سلوكه المتوتر كما حال بلدهم الغارق في التوتر في كل مفاصله الحياتية. كثيرون يسكنهم الخوف خائف على مستقبلهم لكنهم لا يهابون الحرب. وآخرون يشربون الـcoca cola لكنهم يكرهون اميركا
. ومنهم من يحبون لبنان لكنهم لا يتكلمون لغته: انا i love my country وبعمُل everything i can للحفاظ عليه".هو تناقض يحكم حياة معظم الشباب اللبناني، اذ يتفاجأ المرء حين يرى ذلك الشاب الذي يوزع بيانا "لا للحرب" المنضوي تحت اسم جمعية ما تنادي بالعيش المشترك، يظهر على شاشة التلفزيون ضيفا" في حلقة سياسية يدافع فيها بكل ما أوتي من قوة عن حزبه الذي "دفشوه دفش عالحرب" ويحمل مسؤولية اندلاعها للآخرين. غريب كيف ان كلّ في لبنان يلقي اللوم على من سبقه، من دون ان يتنبه انه بتصرفاته اليومية ينغمس اكثر في ثقافة الموت وهو بذلك يؤسّس لحرب جديدة.تمر ذكرى 13 نيسان هذا العام في ظل أجواء توتر يعيشها لبنان خشية تجدد العنف على خلفية الإصطفافات الحادة وانقسام الشباب فئات متناحرة.تعبئة سياسية دائمة تتفجر في الشارع وتمتد الى كافيتيريا الجامعات ومقاهي المدينة الليلية بين الشباب من انصار فريقي المعارضة والموالاة. شباب لم يفقهوا لغة الحرب ولم يعيشوا مرارتها إلاّ انهم في معظمهم يتحيّنون الفرص لاشعال فتنة هنا او فتيل هناك، رغبة منهم في خوض "مغامرة الحرب" او لاقتناعهم بأنها الحل الوحيد للخروج من الأزمة، مقابل عدد قليل من الشبان المناهضين لها لكنهم في الوقت عينه مؤمنون بعدم قدرتهم على التغيير"نحنا ما فينا نوقف الحرب القرار مش بإيدنا".كل ذلك يدعو الى التساؤل. لماذا لا يندفع الشباب الى حماية السلم الأهلي ويتسابقون لحفظ بلدهم كما يفعلون في زحمة السير؟ وهل انهم بعد سنوات من الدمار والاقتتال الداخلي ما زالوا مستعدين لخوض حرب جديدة؟* * *"مكتب التحرير في خبر جديد"، عبارة يرددها هاتف رامي النقال عند تلقيه اي اتصال. هي رنّة يعتمدها منذ بداية الاحداث الامنية المتلاحقة. يتركه يرن مرتين واكثر قبل ان يجيب. "بحب اسمعا بحس كأني عايش بوقتا، ايام الحرب". يرسم ضحكة على وجهه ليؤكد انه ليس خائفا من الحرب.لم يعش رامي ابن الـ21 عاما ايام الحرب الاهلية التي يحفظها من خبريات ابيه "الذي دافع على الجبهة وكاد ان يموت دفاعا عن وجودنا". فرائحة البارود تغريه وحمل السلاح يُشعره بالقوة.في الكافيتيريا يمضي رامي اوقاته بانتظار موعد المحاضرة التالية لأن التوجه السياسي لأستاذ المادة تلك لا يعجبه او "مش على ذوقي، بحس مرات بدّي اضربو". يدور الحديث بين الطلاب عن حدث سياسي معين فيتجمع الكل ليتناقشوا. في موضوع الحرب يتفقون على الإختلاف. من اشعل الحرب؟ ومن يريد حربا جديدة؟تختلط الآراء ويتوجه ايلي عازار الى رفاقه مؤكدا" انهم كحزب لن يتوجهوا الى احد الاّ ببياناتهم ولن يتعدّوا على احد إلا اذا تعدى عليهم. يسانده رفيقه جوزف شعيا ناطقا باسم الحزب، مبرّراً انهم حملوا السلاح في فترة من الفترات لأن الدولة قصّرت في حمايتهم.سمر الناقمة على الوضع في البلد. لا تريد الحرب لكنها لا تجد مهربا منها. خصوصا و"أن لبنان يخوض اليوم حربا" اقسى وأشنع من سابقاتها، حربا "فكرية واقتصادية والهجوم يأتي من الداخل بوصاية الخارج كما ترى وخصوصا" من سوريا".هنا يتدخل ناطور الجامعة اللي "مارق ع راسو كتير" ويقول ان الشعب اللبناني تعوّد ان يعيش في هذه الأجواء. فاللبنانيون تربوا على الحرب وتغذّوا منها في حليب الأمهات".وحدها ام عماد الشاهدة الوحيدة المحايدة، فهي تدير كافيتيريا الجامعة منذ اكثر من 10 سنوات، قد مرّت عليها اجيال "وكل جيل اضرب من جيل". فإذا كان التلفزيون على محطة المنار يتهّمونها بانها مناصرة لحزب الله واذا كان على الـCBL يرمونها طلاب التيار الوطني الحر بنظرة غريبة.ام عماد الستينية كل همّها في الحياة تأمين المال الكافي لمعالجة ابنها المريض، وهي لا تتوقف عن الدعاء بـ"انشالله بيوعوا" لدى سماعها النقاشات المحتدمة بين الطلاب. الحرب في الاذهاناينما تجولت في الشوارع تنهال عليك رنّات الهواتف النقالة: عالصخر منحفر كتائب... يا شعب لبنان العظيم... هي بتقصِّر تنورة... انت مين شو تاريخك شو اصلك..".ومن الواضح ان السياسة طغت على كل احاديث الشباب الذين حفظوا في قاموسهم مصطلحات من تراث الحرب مثل "شرقية وغربية" و"محاور" و"خطوط تماس".وحتى في اثناء المزاح يتبادلون عبارات من الحرب فيقول احدهم لصديقه من الطائفة الأخرى:" قطِّع ابو خضر لفرجيك".عبارات ايام الحرب ما زالت عالقة في أذهانهم التي استعادت ثقافة الموت والعنف في السنوات الأخيرة الى درجة نسوا فيها الحياة والتي أسهمت الاضطرابات الداخلية كما تلك الخارجية في تنميتها.فكل تلك الحروب التي تدور من العراق الى فلسطين ومعها عدوان تموز في لبنان نالت من رغبة الشباب في الحياة والسلم.حتى أن السياسيين انفسهم ومن خلال خطاباتهم ساهموا في دعم هذه الثقافة ما دفع بالكثيرين من الشباب الى الهجرة وترك البلاد، فيما استسلم من بقى منهم لليأس او الاحزاب. علي ابن السادسة عشر اهمل دراسته وكرّس وقته للإستماع الى خطابات زعيمه والعمل الحزبي. وحلمه الأكبر والوحيد الإستشهاد في عملية يقتل فيها "اكبر عدد من المدنيين الإسرائيليين". لم يسمع في حياته بالمهاتما غاندي الذي حرر الهند من الاستعمار البريطاني باللاعنف. وحين سمع الحكاية لم يصدق وقال انها من نسج خيال احدهم. كيف لا وثقافة الموت تجتاح كل الناس وكأنهم في حدادٍ دائم. هذه الثقافة التي تحاصر المجتمع في الكتب والمحاضرات والخطابات التي تمجّد الموت وتدعو اليه كيف عساها تفيد الأحياء؟في المقاهي حيث يجتمع الأصدقاء لارتشاف فنجان قهوة يريح اعصابهم جلّ ما يتكلمون عنه هو الوضع السياسي المتردّي وامكانية حصول حرب قريبة، الامر الذي يزيد من توترهم وانفعالاتهم. وعندما يأتي صديق قديم للإنضمام اليهم يقول له احدهم "شو يا زلمي بعدك عايش؟". فيرد بسؤال: "عايش؟ شو هاي عيشة؟ الموت أشرف".واذا طلبت من النادل كباية عصير ليمون يغمزك ضاحكا:" يعني انت معنا". فتدير وجهك اذا كنت محايداً.وكما المقاهي فقد تحولت الملاهي الليلية التي يرتادها الشباب عادة للرقص والتسلية في الآونة الاخيرة الى ساحة للإستفزازات بين مختلف الفئات. فمعظمها شهد مشاكل ضارية بين شباب التيار والقوات. يخبر طوني عن حادثة حصلت منذ نحو أربعة أشهر حين كان يسهر مع بعض اصدقائه في bulc thgiN والكل سعيد. يرقصون ويشربون. وكان الى جانبهم طاولة عليها ثلاث شبان بدأوا خلال السهرة ببعض الأغاني الحزبية ولكن صخب الموسيقى لم يوصل صوتهم جيدا. بعد دقائق نزلوا الى ساحة الرقص وبدأوا برسم علامة حزبهم بأيديهم. استمروا بهذه الحركات مدة ثم رجعوا الى طاولتهم. حين راح احدهم يشتم ويسب احد الزعماء السياسيين. "الشباب ما حملن راسن وعلق المشكل". ولم يبق اي طاولة في الملهى. "بعلمك كانوا ثلاثة فجأة صاروا 30".السيناريو يتكرر في كل يوم وعند نهاية كل اسبوع، ما يؤكد ان الحرب لا يمكن ان تندلع بالسلاح فقط ولكنها بحاجة الى الزنود. ماذا لو قال الشباب كلهم لا للحرب؟ البعض منهم يعي حقيقة ان من كانوا يتقاتلون ويستعملون الشباب درعا لحمايتهم هم اليوم احباب وفي خندق واحد. والبعض الآخر يزور بوسطة عين الرمانة المعروضة لكنه لا يرى منها سوى الحديد المحترق. يسمع خبريات لكنه لا يعرف ابن السادسة الذي ذبح على الهوية على احد الحواجز. منهم من يعبّر عن رفضه للعنف والحرب على طريقته الخاصة كالأخوين طوني وفؤاد يمّين الذين سجّلا اغنية تقول: "كملوا الحرب/ خلوا الأولاد تموت/... يلا امحوا الكرة الأرضية / وامحوا فوقا البشرية/... please كملوا الحرب.
No comments:
Post a Comment