المستقبل - الخميس 14 أيار 2009 - العدد 3303 - شباب - صفحة 13
وصلت البوسطة الى الساحة الكبيرة. نزل منها عدد من الشباب والصبايا "معجوقين" بإنزال الأغراض وترتيبها. يتساعدون يداً في يد وفي عيونهم تلمع قضية شباب يؤمن ويسعى لتغيير مجتمع ما، او على الأقل نظرة هذا المجتمع. لا يترددون في الإفصاح عن انتماءاتهم الدينية والمناطقية وحتى الحزبية. جمعتهم تلك البوسطة وداخلها توجد قضيتهم.
هي ليست بوسطة عين الرمانة ولو انها بدأت تجول في الشوارع في شهر نيسان الا انها لا تمت للحرب بصلة. انها بوسطة "الآخر". "الآخر أعطاني الفرصة لتثبيت الإنسانية في نفسي، حمّلني مسؤولية التغيير في المجتمع كما زاد ثقتي بنفسي وعرّفني الى ابناء وطني الذين كنت اعتبرهم الآخر المجهول" يعبر عماد عامر عن تجربته. "الآخر" هو واحد من برامج جمعية "على بعد أمتار" ومموّل من الإتحاد الأوروبي عبر مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية. تلك الجمعية التي تأسست عام 2000 نجحت في استقطاب عدد كبير من الشباب والناشطين الإجتماعيين من أطر وخلفيات ثقافية وسياسية ومذهبية مختلفة. هذه الخلطة هي عبارة عن لبنان مصغّر حيث يتعلم الشباب كيفية تفعيل دور الفن في نشر الوعي الحقوقي والديمقراطي وتحقيق العدالة الإجتماعية. بعد سلسلة طويلة من المخيمات التدريبية والنشاطات المتعددة التي قامت بها الجمعية قرر الشباب المتطوعين استعمال هذه البوسطة "الفريدة" لعرض الأعمال التي قاموا بتنفيذها منذ العام 2005 وحتى الآن ونشر مبادئ وقيم التنوع وعدم التمييز، والإختلاف والتسامح في مجتمع قائم على التعددية الثقافية والإجتماعية، والى خلق مساحة للحوار بين الشباب اللبناني على تنوعهم الديني حول مواضيع الإختلاف وفهم الآخر وقبوله. للوهلة الأولى عند رؤية البوسطة تعتقد ان ما تخبئه داخلها هي ذاكرة وذكريات من الحرب الأهلية. ولكن الحقيقة شيئ مختلف تماما. يمكن القول ان ما تحتويه هي ليست الحرب بذاتها وانما نتائجها وما خلّفته من انقسامات فكرية. حاول الشباب من خلال تلك الأعمال الفنية التي تعرض على أجهزة الكمبيوتر داخل البوسطة ايصال رسالة وصرخة تنادي بعدم التمييز . صور معلقة لمسابقة الرسم الفني على الرصيف الذي نظم في ثلاث مدن لبنانية عام 2008. قام خلالها 180 شاباً وشابة من المدارس والجامعات بالتعبير عن آرائهم في مسائل التنوع والتمييز من خلال الرسم بالطبشور على الأرض.سبعة أفلام قصيرة من أفلام الصور المتحركة وعدد كبير من التقارير المصورة، قام بتنفيذها الشباب تحت اشراف متخصصين ومدربين، تعكس حالة المجتمع اللبناني والتمييز الموجود ولو في صغائر الأمور التي غالبا لا ينتبه لها الفرد او لا يصنفها في خانة التمييز. نظرة المجتمع للمرأة المطلقة، لذوي الحاجات الخاصة، لأصحاب لون البشرة المختلف، للنساء اللواتي يقدن سيارات او فانات، للتمييز بين ولادة صبي او بنت في العائلة. وغيرها من المواضيع والحالات تناولها شباب لا تتجاوز اعمارهم ثلاثة وعشرين ولا تتجاوز خبرتهم في الحياة اكثر من ذلك. ما تناولوه كان مجموعة من مشاهدات المجتمع الذي يحيطهم او من تجارب شخصية سابقة. تقول نادين نعمة التي شاركت في المخيم ان برنامج الآخر عرّفها الى اشخاص من ديانات اخرى "من قبل كنت افرّق كثيرا بين الأديان لأن المجتمع الذي اعيش فيه والأشخاص المحيطين بي يتشاطرون الأفكار ذاتها والآن توقفت عن التفريق بين الأشخاص والأديان لأن الناس سواسية". ويقوم الفريق بتعريف الناس على الموقع الإلكتروني الخاص بمشروع "آخر" الذي صمّموه ونفذوه بأنفسهم عام 2007 والذي يضم منتديات وأنشطة تفاعلية تجتذب عدداً متزايداً من الشباب المهتم بقضايا التنوع وقيم عدم التمييز في المجتمع. عنوان الموقع www.programtheother.com.لا أعلام ترفع على البوسطة ولا حتى العلم اللبناني، وانما شعارات تعرّف بالمشروع وتنادي بعدم التمييز على كافة المستويات. ابتعد هؤلاء الشباب عن الإصطفاف الطائفي والسياسي وحتى المناطقي ويبدو اصرارهم واضحاً بإكمال المسيرة بعد انتهاء المشروع في حياتهم العادية واليومية. انطلقت البوسطة يوم 18 نيسان الى زحلة، ثم تنقلت في أكثر من منطقة محدثة مفاجأة لدى العديد من الناس عند رؤيتها تجول في الشوارع، كما تشرح فرح بعلبكي من اعضاء الجمعية: "رد الفعل بعد مشاهدة الأفلام والأعمال التي قمنا بها كانت ايجابية جدا، كنا نشعر ان الناس بحاجة للتكلم عن موضوع التمييز ولتغيير هذا الوضع". ستكمل البوسطة جولاتها على امل ان لا تضيع رسالة هذه الجمعية في ظلّ "عجقة" الجمعيات المناهضة للعنف والتمييز التي يعجّ بها البلد.
No comments:
Post a Comment