كَتَبَ وما كَتَبَ..

Tweet It!
المستقبل - الخميس 12 حزيران 2008 - العدد 2985 - شباب - صفحة 11

استقل حسام سيارته كالعادة متوجها إلى عمله الذي يصفه بالروتيني. ومن منا لا يفعل؟ الرحلة الصباحية تستمر حوالي نصف ساعة. يفضل تخصيصها للنوم لولا اضطراره لمسابقة زحمة السير. لذلك يستفيد من الوقت الضائع على الطريق فيحمل معه الترويقة خلف المقود. يحلم حسام ان يصبح كاتباً... لحظة، هل قلت حسام؟ كلا انه هشام. كلا انه سامر
. لا يهم المهم انه شاب لبناني في اواخر العشرينات يكافح كغيره من الشباب. اذاً سيكون اسمه شاب لبناني لأنه يمثّل الشباب بالرغم من ان القسم الأكبر منهم لا يطمحون ان يصيروا كتاباً الا انه في كل واحد منهم كاتب او شاعر او صحفي إلى حدٍّ ما.اذا الشاب اللبناني يتسائل عمّا يكتب في لبنان؟ يضحك "هوهووو في كتير". اول ما خطر على باله الكتابة عن زحمة السير، سيكتب عن "العجقة وقرفها"، عن الطرقات التي يسمّيها منذ زمن طرقات الموت السريع. عن مخالفات السائقين وعجرفتهم. عن تحوّل الطرقات العامة إلى ملك خاص لبعضهم. عن سائق الأجرة الذي يتوقف في منتصف الطريق، عن الذي يتجاوز الإشارة الحمراء (وما اكثرهم). انه هو صاحب المقولة "اذا كنت تريد معرفة صفات اللبناني السيئة عليك القيادة نصف ساعة في شوارعه".ويكتب عن الهجوم الذي يتعرض له من قبل خلايا الموتوسيكلات المنتشرة، والتي تقلّ احيانا عائلة بأسرها، وبينهم طفل رضيع."أوووووووف" يقترب من شباك السيارة ولد صغير "الله يخليك عطيني ألف... طيب 500 ليرة... الله يخلّي ولادك..." يرى الشاب اللبناني في هذا الولد مشروع رواية. طبعا يختار الكتابة عن المتسولين عن عمالة الأطفال، عن المؤسسات التي من المفترض حمايتهم وإيوائهم. ويدرج في الكتابة عناوين بينها الإهمال والفقر والعوز وتعنيف الأطفال. يضرب على رأسه كأنه تذكر فعل شيئ مهم "شو هالنسوة لازم اقطع عالصيدلية اشتري حليب وحفاضات للصبي". أكيد هناك الغلاء والإرتفاع الجنوني للأسعاروالسلع التي يحتكرها البعض، ولا ينسى الكتابة عن الدواء، والتأمين الإجتماعي والصحي والشيخوخة والضمان والحد الأدنى، واصحاب العمل والعمال والفن والفنون والمطربة الصاعدة المشهورة "اللي عم بتكسر الأرض" عن المنسييّن من المبدعين. يكتب عن بيروت وصمودها وعن اهم ما تصدّره إلى الخارج "الكرامة" يكتب ويكتب.....يكتب عن حاله عن إيجار بيته المرعب عن شارعه وأسراره، عن المسلحين الذين يختبئون عند بيت الجيران، عن تعصّب بائع الخضار في كعب البناية ، عن صاحب المكتبة القريبة الذي لا يبيع سوى جريدة واحدة، عن سمر القاصر التي أُجبرت على الزواج الباكر.....في ذلك المساء استلقى الشاب اللبناني على سريره بعد ان قرر الكتابة ايضاً عن الحرب والحياة، عن اقتحام بيروت، عن استرجاع الوسط، عن حرق المؤسسات الإعلامية، عن انتخاب الرئيس وكل ما تبع ذلك لسنين عديدة أمسك ورقة وقلماً حاول أن يكتب لكنه غفا، وأوراقه ما زالت بيضاء، في أزمة، مثل حاله، يكتب، ويمحو... ثم لا يكتب.

No comments:

Post a Comment