"موسوعة".. التسوّل الجامعي

Tweet It!

المستقبل - الخميس 18 أيلول 2008 - العدد 3081 - شباب - صفحة 11

­1-إذا صدف أن مررت يوماً ما على طريق الدكوانة ـ سد البوشرية وصولاً الى إشارة غاليري خباز، لا تستبعد أن تطالعك على مقربة من الشارات الحمراء وجوه بائعين جوّالين. البائعون بملامح تعرفها، لكن الظاهرة غريبة، وفي التفاصيل:يقترب شاب وسيم من نافذة السيارة، ويسأل بتهذيب: "بتحب تساعد الطلاب اللبنانيين بالجامعة...؟"
. يبدأ يعرض الشاب ما يبيعه من سلع: مناشف للمطبخ، زجاجات رائحة للسيارة، ساعات...، فإذا بك تشكك في الغرض من طلب المساعدة. تحسب بأنك تحشره في الزاوية عندما تواجهه بضرورة إبراز أوراقه الجامعية. لا يكذّب الشاب الخبر، وسريعاً يبرز بطاقته مع التأكيد: "أنا لبناني وعم أمّن قسط الجامعة. غيري مش أحسن مني ولا أحق مني بطريق بلدي". الغلاء وأقساط الجامعات المرتفعة بالإضافة الى الشح في فرص العمل وطبعاً استهتار المسؤولين بشريحة الشباب دفع بعضهم الى تحويل الشارع لمركز عمل موقت. الثياب انيقة ورائحة ال mufrap ظاهرة وأسعار السلع تشجيعية. "مدام اد ما بتحبي دفعي وإذا بدك مقدَّمين...". لا تعرف إن كان ذلك أمراً يدعو للأسف أو للفخر. هل يمكن تسمية هذه الظاهرة بالتسول اللبق؟ أو أنها انتفاضة الشباب على الوضع؟ أياً يكن، فالتوقعات مع بداية الموسم الدراسي أن تزدهر الظاهرة تلك، وما على المارة سوى مراقبة تلك الطريق لمعرفة إذا كان عدد الطلاب سيقل أو يزيد.
2- فنجان شاي ساخن وقطعتان من البسكويت على وقع أغنية فيروز "ورقو الأصفر شهر أيلول"، تتناولها ريما عن الطاولة. طعم الشاي مختلف عما هو في السابق. هناك في منزل والديها تفوح رائحة أخرى ونكهة تضفيها رندحات أمها. في تلك الغرفة الغريبة استقرت ريما في الأسبوع الجامعي الأول. وما زالت حتى اليوم أميرة الغرفة التي تتألف من سريرين. لم تأتِ بعد من تشاركها بيتها الموقت. في بيت الطلاب لم تختر ريما غرفة بسرير واحد فكيف لها أن تدفع 150دولاراً من راتبها الذي لا يتعدى 250دولاراً ثمن الحرية الشخصية والخصوصية والراحة. إذاً، هي مضطرة للمشاركة بغرض توفير 50 دولاراً. وعندما قررت الانتقال الى بيروت والسكن قرب الجامعة كانت تفكر بأن قرارها هو الأنسب. فالبيت يبعد عن الجامعة مسافة ساعتين من الوقت في الباص العمومي. لذا ستمضي أربع ساعات يومياً على الطريق "عم بتبهدل واسمع خبريات سائق الباص". بينما يمكنها أن تمضي هذا الوقت في الدراسة. بالإضافة الى أن فرص العمل معدومة في قريتها.يوم ريما العادي يبدأ على الشكل التالي: في الثامنة صباحاً تتوجه الى الجامعة سيراً على الأقدام. تمشي حوالى عشرة دقائق، طبعاً لتوفر 2000 ل.ل. أجرة السرفيس. تستمر المحاضرات لغاية الساعة الثالثة. وفي حال تغيّب المحاضر"، تحرق "ريما الوقت إما في الكافيتيريا أو في المكتبة. هل ذكرت أن ريما في الجامعة اللبنانية؟ طبعاً لأن ليس بمقدور والديها تسديد "فواتير" الجامعات الخاصة. وبما أن ريما في السنة الثانية الآن، وهي تدرس الإعلام، تأقلمت أكثر مع طريقة العيش في مكان غريب وضمن راتب محدود لا يكاد يكفي الحاجات الضرورية.إذاً، بعد الجامعة تتوجه بالباص (1000 ل.ل.) أو السرفيس في حال اضطرت (2000 ل.ل.) الى العمل. إنها الثالثة وريما لم تتناول بعد طعام الغذاء. "رزق الله عا أيام المدرسة وأكلات الماما". اشتاقت الى "عروس" الزعتر أو الجبنة مع الخيار من تحضير والدتها. عندما لا تستطيع تحضير سندويش خفيف قبل العمل تضطر الى طلب غذاء من سناك ابو وديع القريب. السندويش لا تتعدى 3000 ل.ل. بطاطا أو طاووق أو لحمة. وغالباً ما يكون الغذاء سندويش بطاطا "لأنه أرخص من غيرو". تستبدل تنكة البيبسي (1000 ل.ل.) بالماء المجاني الذي تحصل عليه في العمل. اما عملها فقصته قصة. هي لا تطيق هذا النوع ولكنها لم تجد خياراً بديلاً. تعرفون تلك الأصوات التي تزعج بعضكم بالاتصال يومياً على الهاتف أو الخليوي لترويج كتب وموسوعات بأسعار مشجعة وبعروضات مختلفة، وهناك عروض تشمل الطناجر والأواني المنزلية. صوت ريما هو أحد تلك الأصوات. ست ساعات تقضيها برفقة سماعة الهاتف. تطلب أرقاماً وتسمع عبارات متعددة غالباً ما يتخللها اهانات من المتلقي "اللي ما الو جلادتنا" وفي أكثر الأحيان "باكل طبشات خط اد ما بدك". وعلى الرغم من أن الراتب الشهري قليل جداً إلا أنها تسعى الى بيع عدد كبيرمن السلع للحصول على الـ sunob بقيمة 50 دولاراً تخصصه لمساعدة والدتها في نفقات المنزل. انشغال ريما اليومي لا يبعدها أبداً عن التفكير بالوضع السياسي في البلد عموماً. كيف لا تهتم وهي تدرس الحدث بذاته. الأرق الذي تعاني منه في ليال كثيرة ناتج عن متابعتها للمحطات الإخبارية "المتناقضة" ولكل التطورات. مخاوف اندلاع فتنة أو حرب تتسلل يومياً الى فكرها. "ماذا لو قامت الدنيا ولم تقعد وأنا عالقة هنا بعيداً عن أهلي؟" تسأل. تحاول أن لا تكون طرفاً على أرضية مهتزة "لماذا لا يكونون هم طرفاً معنا نحن الطلاب والعاملين؟".

No comments:

Post a Comment