غنوجة، قريبة الى القلب، دائمة الإبتسام والفرح، اما هو فلبق ، مميز ينتقي كلماته دون تصنّع، شغوف بعمله ، يحب ان يكون حر وطليق كالعصفور، أضحك وأبكى الآلاف وما يزال. هي تألقت في "غنوجة بيا"، "الليلة الأخيرة"، "مجنون ليلى" و"الدكتور هلا" وهو كان العلامة الفارقة التي ميّزت مسلسلاته "فادي وراضي "، "ساعة بالإذاعة" وغيرها من البرامج الكوميدية دون ان ننسى مسرحه الخاص . شخصيتان منحوتتان بالفن والحب وخفة الظل. فماذا لو التقيتا في عمل واحد؟ جمعهما في الماضي "جميل وجميلة" و "كلها مالحة" فكانا ثنائيًّا مكمِّلان لبعضهما على الصعيد التلفزيوني. اما اليوم فالذي يجمعهما هي الشاشة الكبيرة وفيلم "لاريتا وعزيز".
الشخصيات الكوميدية في التمثيل غالبا ما تكون شخصيات "سميكة" في الحياة العادية على حد قول الممثل جورج خباز ، ولكن ذلك لا ينطبق على شخصية جورج الجادة والصريحة، ولا على ريتا المرحة . حال وصوله الى المقابلة سرق الدقائق الأولى للعزف على البيانو وكأنه يستمد من الموسيقى القوة اللازمة لإكمال نهاره.
بداية الحديث كانت عن الفيلم الكوميدي الجديد "لاريتا وعزيز" الذي "يُطبخ على نار خفيفة" كما قال خباز. تدور قصته حول فتاة "حرامية" (ريتا برصونا) و محقق في الشرطة (جورج خباز). النص لم يكتمل بعد ويقوم بالعمل عليه حاليا أربعة اشخاص هم ريتا التي ستقدم خبرتها كممثلة كوميدية، جورج الذي طرح القصة ويشارك في وضع الحبكة وتفاصيل الشخصية الذي سيلعبها، المنتج مروان حداد (صاحب شركة مروى غروب) سيضع خبرته كمنتج "للأفلام التجارية العائلية ، وانا لا اخجل ابدا من كلمة تجارية، بالعكس فمروان حداد اثبت انه الأول في تلك الأفلام الناجحة" كما شرح خباز، وطبعا الكاتبة سمية الشمالي. بالإضاقة الى رؤية المخرج الخاصة الذي سيضيفها لاحقا، ولكن الى الآن لم يحدَّد بعد من سيكون المخرج. اذاً الفيلم هو عمل جماعي تضيف ريتا و لقاء بينها وبين جورج خباز في عمل واحد سينتظره الكثيرون. على ان يبدأ التصوير في حزيران ويتوقع عرضه في الصالات خلال شهر ايلول المقبل.
الحماس واضح على كل منهما ويبدو ان السبب هو حبهما المشترك للكوميديا. فريتا التي طُبعت لفترة طويلة بشخصية غنوجة بيّا اضطَرت للإبتعاد عن الكوميديا لفترة من الزمن كي لا تقتل عند الناس صورتها كممثلة دراما . "انا احب الكوميديا والدراما بالنسبة نفسها. ولكني اتسلى اكثر في العمل الكوميدي بالرغم من انه الأصعب، عكس ما يفكر المشاهد. فيمكن ان تجدي خمسمئة ممثلة تعطيك دراما ولكن من الصعب ايجاد ممثلة تعطي الكوميديا حقّها وتتقبلها الناس وتحبها. كما ان فنانات الدرجة الأولى في لبنان معدودات، من هنا تنتفي المنافسة بيننا. اذ لا يمكن لممثلة واحدة ان تكون بطلة كل الأعمال. لذا انا انافس نفسي". بعد ان كان ينتظرها الناس لتضحكهم في غنوجة بيا جاءت في مسلسل "الليلة الأخيرة" فأبكتهم. "في البداية خفت كثيرا ان لا يتقبلني الجمهور ولكن الحمدلله نجحت وهنا قوة الممثل حين لا ينطبع في شخصية معينة طوال الوقت".
Black comedy هي الخط الخاص الذي رسمه جورج لنفسه كفنان وهو اليوم ينفرد فيه في لبنان. فبعد شوشو فُقد هذا النمط في المسرح الذي يعتمد على كوميديا الموقف والكوميديا الراقية. من هنا لا يمكن اليوم ايجاد من ينافس جورج خباز. " انا اعتبر ان واجهة الفنون هي المسرح وواجهة المسرح هي الكوميديا. فلا شيئ يُخلّد في المسرح كالكوميديا خاصة في العالم العربي حيث تحتاج الناس الى الضحك". تلك الكوميديا الذي تكلم عنها خباز تتميز بأنها لا تتَّكل على الغرائز "الجنسية او السياسية" لجذب الجمهور كما هو الحال بنسبة 90 في المئة من البرامج والمسرحيات الكوميدية في لبنان "وانا بعيد عن الإثنين، يضيف، لا ضرورة ان يكون هناك رسالة انسانية معينة في كل موقف ولكن على الأقل يجب ان نخاطب الجمهور بشكل راق وان لا نستخف بعقولهم. فاللعبة الكوميدية هي حنكة، تركيبة. وهذه التركيبة بحاجة الى خلفية ثقافية. كما انها اصعب انواع الفنون. وعلى المدى الطويل هذا المسرح المبتذل لن يُعتبر فن وانما استهلاك . تماما كالفلافل اللي بتشبِّع ولكنها ليست وجبة دسمة. لذا لا يجب ان يكون العمل مربوط في زمان ومكان والا يصبح كالجريدة اليومية التي ترمينها حالما تنتهين من قراءتها".
انطلاقا من اقتناعه بهذا النمط اصرّ خباز ان تكون قصة فيلم "لاريتا وعزيز" ذات مضمون انساني بقشور كوميدية. "كي يبقى في ذاكرة الناس من الفيلم شيئ انساني يمسّهم ".
الشخصيات الجديدة الموجودة في الفيلم ستشكل تحدي جديد لريتا برصونا الممثلة. هي التي لا تنفي ولا تخجل من الإعتراف كونها تدرجت في التمثيل من الأدوار الثانوية والصغيرة. " انا افتخر انني تدرجت في الأدوار فقد كانت فرصة لي كي أتخمّر وأتدرب على يد كبار الممثلين. وصولي الى البطولة اثبت موهبتي ، فالغير الموهوب لا يمكن ان يكمل لا في دور صغير ولا في دور كبير". في مسلسل "اليسار" مثلا كانت المرأة الوصولية ، الوقحة، التي تتبع الرجل "لزءة" كرهتها الى النهاية ولكن ذلك لم يمنع ان تعطيها حقها تمثيليا. المفترق كان في مسلسل "اسم هلا" حين بدأت الناس تسأل عنها ولاحظها الكتاب والمنتجون ومن ثم مسلسل "بنات عماتي وبنتي وانا". شخصيات متعددة لعبتها برصونا في حياتها المهنية ولكن عن شخصيتها الحقيقية والواقعية تقول "انا متقلبة ، متناقضة في بعض الأحيان ومزاجية لا أطاق، مترددة ولا أثبت على رأي واحد. ولكنني انسانية طبيعية جدا عندي عاطفتي ومزاجي ومشاكلي. مثلا لا شيئ يشبهني في شخصية د. هلا تضحك. فدكتور هلا هي شخصية مركبة ، معقدة، قاسية، وحنونة في الوقت ذاته، عصامية، " انها مجموعة تناقضات. اكثر ما يشبهني فيها هو خوفها على الآخرين واحساسها بوجوب حمايتهم . مسرحية مذكرات رفقا كانت التحدي الأكبر وهي التي اعطتني دفعة الى الأمام وثقة كبيرة بأنه بإمكاني لعب اي دور يوكل اليّ".
قواسم مشتركة تجمع ريتا وجورج ويتجلى ذلك في التفاعل والكيمياء الواضحين بينهما. بالرغم من نجاحها في غنوجة بيا الى جانب الممثل بيتر سمعان الا انها ترتاح اكثر مع خباز " فرقت عليَّ في الطول اولا" تضحك، " بيتر ليس ممثل كوميدي لذا لم استفد منه كوميديا فالموقف في القصة كان المضحك وليس الشخصية الذي كان يلعبها بيتر، ولكن مع جورج نحن نركِّب الشخصيات معا ونلعب على التفاصيل ونتسلى أكثر لأننا نملك هذا الحسّ الكوميدي ما لم يكن موجود لدى بيتر". يقاطعها جورج " نعم ففي غنوجة بيا بيتر كان المتلقي وهو يمهّد الطريق لها ، هناك كانت الساحة ملكها وحدها كوميديا اما معي فكأننا نلعب الping pong " ، تجيبه ريتا " صحيح، انا اعرف ان جورج خطير في الكوميديا ولكن ثقتي بنفسي كبيرة. اشعر اننا سنحقق شيئا جميلا. فنحن نتعاون ولا احد منا يحاول السيطرة على الآخر"، يضيف خباز " لن يكون فيلم عادي".
هذا التعاون من قِبل خباز جديد نسبيًّا علينا كمشاهدين. فلقد تعودنا عليه يلعب دور One man show في اعماله . حيث يكون هو الكاتب والمخرج والممثل والموسيقي. البعض يعتبره تفرُّد وسيطرة اما هو فيوضح ان الأيام اثبتت على مر السنين ان الأعمال الخالدة التي بقيت في ذاكرة الناس كانت لأبطال الـone man show . مثال وودي آلان، شارلي شابلن، دريد لحام ، زياد الرحباني "المتأثر جدا به" وغيرهم. " ما المانع اذا كانت الموهبة موجودة؟ لا احد يعرف كيف يربي اولاد الآخرين وبالنسبة الي كل عمل هو بمثابة ولد لي. افضِّل تربيته على ذوقي وان اتحمل انا مسؤولية فشله او نجاحه دون ان يشاركني بها اي احد ويتفلسف علي بجهده او شطارته. وحتى الآن كل عمل قمت به كان ناجحا والدليل هو تجاوب الناس. ولكن ذلك لم يمنع ان أمثِّل لغيري من المخرجين. ولكن في المسرح تحديدا احب ان اكون سيّد نفسي. وانا ككاتب أوظٍّف طاقاتي الكتابية في خدمة طاقاتي التمثيلية".
ريتا برصونا في الحب الممنوع:
ريتا التي تخوض تجربتها الأولى في الكتابة ناقضت جورج في هذه الفكرة. المسلسل الذي انتهت من كتابته مؤخرا "الحب الممنوع" ستلعب فيه دور البطولة . ولكنها اوضحت ان الخطة لم تكن كذلك " ولكن المنتج مروان حداد اصر ان اكون انا البطلة. انا لم أكتب الدور لنفسي. عندما بدأت كنت اريد تجربة نفسي ككاتبة. كان عندي فكرة لقصة حب وضعتها على الورق وبدأت تتطور. ما ساعدني في ذلك هي خبرتي في قراءة النصوص وفهمها. معروف عني اني لا اتقيد حرفيا في النص ولكن أحوره حتى اشعر انه يناسبني وانني مرتاحة له". في المسلسل لا يوجد بطل معين كما تقول ريتا. فكل الشخصيات تقريبا هي ابطال. لكل منها مشاكلها وهمومها. منها دور صديقة البطلة الذي هو دور طويل اكثر من دور البطلة " ما يعني اني لم اكتب البطولة لي. ولكن البطلة تشبه شخصيتي لأنها تكون في المسلسل ممثلة ومطربة. وسنبدأ التصوير بين شهري تموز وتشرين".
وعند سؤالها عن شخصية البطل في المسلسل وعن إتهامها سابقا للكاتب شكري انيس فاخوري بسرقة فكرتها، حيث فوجئت برؤية الشخصية نفسها على التلفزيون في مسلسل "غريبة" للكاتب نفسه (لعب الدور الممثل عمار شلق)، اوضحت ريتا "يمكن كنت غلطانة. الأستاذ شكري كان قد قرأ ما كتبته. وقد حصل ان استعمل الإسم ذاته للبطل. كما ان الشخصية تتشابه الى حد ما . فبطلي ايضا رجل سياسي يخوض انتخابات. ولكني اليوم اقول ان توارد الأفكار وتشابهها وارد. فمشاهد الحملة الإنتخابية في مسلسل "عصر الحريم" هي تقريبا نفسها لأن هذا هو الواقع في لبنان، هكذا تُخاض الحملات الإنتخابية ولا يمكننا اختراع طرق جديدة".
جورج خباز لماذا كتب؟
"انا قررت ان اكتب لأننا نفتقد الى كتّاب الكوميديا في لبنان. عندنا امل كبير في السينما والمسرح اللبنانيين ولكن المشكلة تكمن في النصوص. لدينا مخرجين وممثلين رائعين . في المسرح نحن الأوائل على صعيد العالم العربي. فالجمهور اللبناني نسبيّا هو أكبر جمهور مسرح . ثانيا لدينا تنوع في المسرح الكوميدي. في مصر مثلا هناك نوع واحد وهي الكوميديا الطويلة. في المغرب العربي المسرح هو اختباري عبثي. اما في لبنان فلدينا المسرح الإستعراضي، والعبثي، والإختباري،والإجتماعي الطويل، والشونسونييه، ومسرح الطفل .... حتى في الكوميديا لدينا عدة انواع. وفي كل نوع عندنا روّاد كركلا، زياد الرحباني، ريمون جبارة، رفيق علي احمد وغيرهم. " هذا التنوع في المسرح اللبناني حسب جورج ان دل على شيئ فهو يدل على تنوع ثقافتنا ومعتقداتنا. ولكن ما ينقصنا لغزو العالم العربي هو النص الذي يحكي الهواجس الإنسانية. فهذه الأخيرة هي مشتركة في كل مكان. ولا ضرورة للدخول في الزواريب الضيقة. " ينقصنا جمهور لأن عددنا قليل، لهذا نعتمد على الإنتاج المشترك، وأهم شيئ ينقصنا كتّاب". اما بالنسبة لللإعلان ودور الوسائل الإعلامية في انتشار العمل الفني فهي لا تقصّر حسب ريتا الا ان خباز لا يعير الإعلام اهمية من ناحية تأثيرها على نجاح العمل او فشله " الفيلم الحلو بمشّي حالو".
القناع الذي يرتديه خباز على المسرح غالبا ما يرافقه في حياته اليومية " انا اخاف من الناس ، لذلك اضطر ان اضع القناع كلما التقيت بأحد لا ارتاح له او اعرف مسبقا انه قد يسبب لي أذية اذا ما تصرفت معه على طبيعتي. فالقناع ضروري في الحياة خاصة في عصرنا الرديئ هذا". ولكن ذلك لا ينفي ابدا محبته للناس ولكنه مدرك ان محبة الناس مؤقتة "تنتهي عندما تنتهي الزئفِة"، لذا لا بد من وجود الحب في حياة خباز " المرأة هي chargeur عاطفي ومعنوي، وهي موجودة دائما في حياتي". الرومنسية تغلبت على قناع خباز الكاتب وتُرجمت في نهاية الحديث الى تلك القصيدة :
البحر بجنّ عليكِ
ومش قادر يوصل ليكِ
فجأة تحول غيمة وطار
ميِّة شتي نزل وصار
يزورب من بين الأنهار
حتى وصل لإجريكِ
.
بصراحة ... مادة شيقة جدا وخاصة من كاتبة رائعة.
ReplyDeleteتحياتي إليك
شكرا لهذا التعليق الرائع
ReplyDelete