المستقبل - الخميس 10 نيسان 2008 - العدد 2929 - شباب - صفحة 11
وضعت احمر الشفاه بتأنٍّ وخبرة امام المرآة في غرفة لا تضيئها سوى شمعة واحدة وعينيها الخضراوين. وقفت تتأمل فستانها الأسود الذي يكشف عن مفاتن وأشكال دائرية. تنهّد. تتسمّر للحظة في مكانها. ثم تعود. تطفئ الشمعة بإصبعها. وتنظر مجدداً الى المرآة المظلمة "إنتِ الشمعة يا سوسو".تضحك. تخرج للقاء زبونها
.من ينتظر خارجاً ينتظر بتوتر. ليس لأنها المرة الأولى... لا. ولكن من يقصد ذلك الملهى الليّلي لإمضاء ليلة تختلف عن غيرها يعرف انه ينتظر ملكة او امبراطورة لا مثيل لها. فلائحة الإنتظار طويلة. بعضهم ينتظر اسابيع.قانون "سوسو" خاص بها. يمكن تسميته ميثاق شرف المهنة. فهي لا تستقبل من هم دون السن القانونية والرجال فوق الستين، لا تقابل السكيرين. وان كنتم لا تصدقوا ان لائحة الإنتظار طويلة، فصدقوا. لأن الزبون الذي يأتي يأتي مرة واحدة فقط. "يحق للراغب في الحصول على شرف امضاء ليلة في نادينا، ليلةً واحدة في السنة، فقط، لا غير، تحت طائلة الملاحقة القانونية". هكذا كتب على الورقة التي سيوقعها الزبون بمثابة تعهد. فبعد سنة، وسنة بالتحديد، يحق له الرجوع.اما القاعدة الأهم، فتقضي بعدم استقبال اكثر من زبون واحد في الليلة. لا تحسبوا انها متكبرة. ولكنها تحسب للنظافة حساباً. فبعد انهاء المهمة تدخل سوسو الحمام ولا تغادره قبل ساعتين واكثر. ماذا تفعل؟انها تغتسل بدموع صارخة. تبكي. ثم تضحك. تحاول محو قبلاته عن عنقها عن جسدها. تصرخ غاضبة. ثم تغمض عينيها بهدوء. تغني "أسامينا شو تعبوا اهالينا تا لاقوها... الأسامي كلام وشونفع الكلام عينينا هنّي أسامينا".انه وقت التنظيف. عليها ان تمحي من ذاكرتها تلك الليلة. تفعل ذلك كل يوم. أتعتقدون ان ذلك سهل؟ انها تفلح في ذلك. تمحي وجهه وتنسى صوته ورائحته كما لو كان شبحاً او خيالاً. تنظِّف أذنيها من كلماته وحكاياته وهمساته.تنسى للحظة انها سوسو. ترجع فتاة صغيرة بفستانها الزهري وجداديل سوداء برّاقة. تدلّل هرتها. تلعب معها تكلمها. ترفع صوتها اكثر، وتغني دون انقطاع كي لا تسمع شجار والديها في الغرفة المجاورة.تحاول تذكر ايامها الحلوة. فهي ليست عديدة. تتسلّل الى ذاكرتها بعض من تلك القصص التي محتها. او ظنّت انها فعلت. ليالي ما بعد تفكك العائلة. هاجر أباها.ابوها ايضا ولكن برصاصة في الرأس.أطعمها بعض اقاربها مقابل تنظيف المنزل وغسل الثياب. حاول احدهم تمزيق ثيابها. هربت.تشرّدت وجاعت ... لحظة. هي لا تريد ان يشفق عليها احد. انها قوية. تغلّبت على الحياة، على الجوع. حاربت مجتمعا بكامله وربحت المعركة بإمتياز."ovarb" قالت لها معلمتها الأولى حين كانت تبلغ الخامسة عشرة. "هيك لازم تكوني اقوى منن".تتذكر ايضا. وتتلاحق الصور. وجوه. وجوه. ولكن من دون اسماء. انها لا تحب الأسماء. من اطلق عليها اسم سوسو؟ لم تعد تذكر. ولكن هذا الإسم لا يعني لها الكثير. يمكنها ان تكون مهى او حنان او عبير او كريستين او ماريا او... او... لا يهم. فهي هي.ماذا تفعل سوسو في النهار؟حياتها الليلية معروفة. ولكن حين تكشف الشمس عن قباحة المدينة وبشاعة بعض ناسها. تجول في الشوارع متنكرة تبحث عن فتاة صغيرة بثياب ممزقة. تبيع ورقة يانصيب. او علكة. او ضحكة. وحين تجدها. تقترب. تجدّل لها شعرها. تسمعها اغنية وتسوقها الى مدرسة الحياة.
No comments:
Post a Comment