المعوقون رهينة بطاقة "صورية" لا تشفي وتعاميم لا تجدي

Tweet It!


المستقبل - الاثنين 29 آذار 2010 - العدد 3608 - تحقيقات - صفحة 9

تدور قصة المعوقين في لبنان منذ زمن في حلقة فارغة ومعها يدور هؤلاء من على كرسيّهم المتحرك او في ظلام أعينهم وحتى في صمتهم. فالى افتقارهم الى فرص العمل وتجهيزات تتيح لهم الانخراط في المجتمع ومؤسساته، يضاف الهمّ الصحي الذي ما يلبث ان يبدّد بتعميم حول آلية تأمين التغطية الصحية لهم من هنا وقرار بتطبيق احكام قانون حقوقهم من هناك حتى يصطدم بحواجز عند التطبيق تبدأ بعدم توزيع مهام التنفيذ ولا تنتهي عند ابواب المستشفيات التي لا تلتزم في معظمها بنصه ولا حتى من يُلزمها .
منذ نحو شهرين الفائت اصدر وزير الصحة محمد جواد خليفة تعميماً حول التغطية الشاملة لاستشفاء الأشخاص المعوقين ، وهو الثالث في سبحة التعاميم الخاصة بهذا الامر بعد عامي 2001 و2006 . إستبشر المعوقون خيراً بصدور التعميم علّ "الثالثة تكون ثابتة" فتختم مسلسل معاناتهم القديم المتجدّد منذ سنين. غير أن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن، فعلى الرغم من النية الظاهرة للوزارة في حل تلك الأزمة إلاّ ان الحل الجذري على ما يبدو يتطلب خطة استراتيجية وطنية تقوم على سياسة صحية تلائم الجميع.
والسؤال الذي يطرح هو إذا كان قانون حقوق المعوّقين 200/220 الصادر منذ عشر سنوات واضحاً في شأن التغطية الصحية الشاملة ، فما الحاجة الى مثل هذه التعاميم التي لا تغني ولا تسمن من جوع في الامور الصحية التي هي من أكثر المواضيع إلحاحاً لديهم. وإذا كانت هندسة الطرقات والمباني وتأمين فرص العمل مسائل يمكن ان تنتظر الحل ، فالمرض لا يأخذ بعين الإعتبار أي إجراءات قانونية ولا يهمّه إن كانت ضحيته تحمل بطاقة صحية ام لا.
وفيما يتقاذف المعنيون المسؤولية فيما بينهم، لترمى تارة في ملعب المستشفيات وتارة أخرى في مرمى وزارة الصحة ، يسجّل المعوقون على الآلية ذاتها ملاحظات كثيرة تبدأ في المضمون ولا تنتهي عند التنفيذ العالق بانتظار المراسيم التطبيقية لتعاميم وقرارات باتت أشبه بإبر مورفين يحقنون بها من فترة لاخرى بغية إسكاتهم عن المطالبة بحقوقهم الضائعة ما بين مستشفيات "تعمل تحت سقف مالي محدّد" وبين وزارة صحة يصرّ من فيها على انها "تقوم بدورها كاملا ومن دون اي تقصير" .
وما بين الاثنين "الموضوع شائك جداً والمعوّقون يجهلون حقيقة الامر" على حدّ تعبير نقيب المستشفيات الدكتور سليمان هارون ،الذي يرى ان "الحل بتجهيز مستشفيين اثنين في كل منطقة لاستقبال جميع الإعاقات". وفي المقابل لا ينكر مستشار وزير الصحة الدكتور بهيج عربيد وجود" مشكلة حقيقية في التغطية الصحية"، إلاّ انه لا يلبث ان يحصرها بـ"الخدمات الخارجية التي لم تصدر لها مراسيم تطبيقية" على اعتبار "انها ملحّة اكثر من الاستشفاء". ويتابع "نحن نركز على الترصّد الوبائي ومكافحة الأوبئة ، اما الخدمة الإستشفائية فيمكن ان تعمل عليها اي جهة اخرى من الضمان الى التعاونية "، من دون ان يخفي شكوكه بعدد الحاملين لبطاقة الإعاقة اذ "هناك نحو 60 الفاً يحملونها ونحن واثقون بان 10% على الأقل منهم ينتحلون صفة المعوّق للإستفادة من الخدمات، لذا لا بد من إحصاء دقيق وتقييم مفصل للعدد يعتمد المعايير الدولية". وفيما تحمل الصحة وزارة الشؤون الاجتماعية جزءاً من المسؤولية لجهة منحها بطاقات الإعاقة لغير مستحقيها، تبدو الاخيرة بعيدة من السمع والمراجعات التي لم تفلح للوقوف على ما عندها عن الموضوع.
وفي النهاية وان كانت حدود المشكلة عند المعوقين تتجاوز المؤسسات الرسمية والمعنيين المباشرين الى المجتمع بحدّ ذاته، إلاّ ان الحكم على تطبيق الآلية منذ الآن يبدو غير عادل وان كانت ليست المرة الأولى لان المهم بالنسبة اليهم أكل العنب لا قتل الناطور.

كرّت سبحة التعاميم المتعلقة بشؤون المعوقين وتطبيق احكام القانون 220/2000 حتى شبع منها هؤلاء. من بين هذه التعاميم اثنان حول آلية تأمين تغطية استشفائهم اولهما التعميم الرقم 2 تاريخ 2/1/2001 ، التعميم الرقم 41 تاريخ 18/6/2001 ، ومن بعده التعميم الرقم28/1 بتاريخ 22/6/2004. ومنذ اكثر من شهر صدر تعميم آخر حددت بموجبه آلية تأمين الاستشفاء التي تقوم على تغطية المعوق مئة في المئة بناء على بطاقة موافقة الاستشفاء الممكننة التي يحصل عليها من وزارة الصحة . وقد طلب في التعميم الصادر عن وزير الصحة العامة الى "جميع المستشفيات والمؤسسات الصحية المتعاقدة مع وزارة الصحة العامة ، عدم تقاضي أي فروقات على تقديم العلاجات الطبية والجراحية للأشخاص المعوقين حاملي بطاقة المعوق الصادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية ". وحذر " الجهات المعنية التطبيق والتقيد تحت طائلة المسؤولية والمساءلة واتخاذ الاجراءات الادارية والقانونية المناسبة وفقاً للقوانين والأنطمة المرعية الاجراء التي قد تؤدي إلى فسخ العقد مع المخالفين. كما تلغى كافة النصوص التي تتعارض ونص هذا التعميم".
سيناريو التعميم جميل وبراق غير ان الواقع معاكس له تماما، واكثر ما يتجلى في التجارب المريرة والمتكررة التي يعيشها المعوقون. وإن كانت وزارة الصحة معروفة بتجاوبها في إعطاء بطاقات الموافقة بحيث لا ترفض أي طلب يقدّم اليها من قبل المعوقين، إلاّ ان مدى فاعلية هذه البطاقة تبقى موضع ريبة خصوصا في ظل عدم استصدار المراسيم التطبيقية المحددة لمهام التنفيذ. وتعبِّر عن ذلك رئيسة جمعية إتحاد المقعدين سيلفانا اللقِّيس واصفة "عملية استصدار المراسيم التطبيقية بالفضيحة الكبرى". وتشرح ان "آليات عمل البطاقة الصحية ليست واضحة حتى الآن. الطاسة ضايعة في كل مرة تلقي وزارة الصحة الأمر على وزارة الشؤون الإجتماعية في حين تردها تلك الأخيرة الى المستشفيات. أما الضحية فهي نفسها المعوق الذي لا يحصل على الخدمة". ومن جهته يقول رئيس إتحاد جمعيات المعوقين والعضو في الهيئة الوطنية لشؤون المعوقين التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية الدكتور إبراهيم عبدالله انه لم يتفاءل كثيرا بصدور هذا التعميم وان كان الحكم على تطبيق الآلية منذ الآن غير عادل " فعلينا الإنتظار مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر لنرى مدى تطبيقها ،لاننا في النهاية نريد أكل العنب لا قتل الناطور".
ويعترف مستشار وزير الصحة الدكتور بهيج عربيد بـ"ان هناك مشكلة حقيقية في موضوع التغطية الصحية، لكن الوزارة تقوم بدورها كاملاً من دون اي تقصير".

قصص المعاناة
تتجلّى قسوة واقع المعوقين في قصص وتجارب كثيرة يروونها عن معاناتهم مع معظم المستشفيات. ويخبر عبدالله عن تجربته الخاصة حين أصيب بإلتهاب شديد وتوجه الى أحد المستشفيات المعروفة في بيروت والتي أبقته في غرفة الطوارئ من الصباح حتى المساء الى حين تأمين سرير له وفي نهاية اليوم طلبت اليه الرجوع بعد يومين إشتد خلالهما الإلتهاب علماً انه يحمل بطاقة الضمان الإجتماعي. ينطلق عبدالله من هذه الحادثة ليؤكد بـ"ان المشكلة الرئيسية تكمن في العلاقة ما بين وزارة الصحة وبين المستشفيات التي تريد الحصول على أموالها بشكل مباشر فيما تتأخر الوزارة في التسديد". ويضيف "حاولنا إيجاد حل في إجتماعاتنا مع وزارة الشؤون الإجتماعية والهيئة الوطنية لشؤون المعوقين وقدّمنا طرح آلية عمل تقوم على اقتطاع نسبة معينة من موازنة وزارة الصحة كافية لإستشفاء المعوقين تتحدّد حسب نسبتهم ونوع الإعاقات ولكن للأسف كان الرفض قاطعاً من قبل الاخيرة على اعتبار أنها تدفع أكثر من المطلوب. فهم يرفضون التخصيص من أساسه على الرغم من اننا لا نرى في الامر تمييزا انما فيه طمأنة للمستشفيات بأنها ستحصل على اموالها".
ولعلّ في قصة حسام الدنف خير مثال عن الصعوبات التي يعانيها المعوق لدى محاولة دخول المستشفى. ففي أواخر العام 2006 توجه حسام (40 سنة/ أستاذ مدرسة) الى مستشفى خاص حيث أجرى فحوصات وصور دفع كلفتها 1200$ من جيبه الخاص. وبعدها تبين للطبيب انه بحاجة الى إجراء عملية في أسرع وقت ممكن، غير ان رد المستشفى أتى قاطعا بأن عليه الإنتظار مدة لا تقل عن شهرين. ويكمل حسام : "بعدها تلقيت إتصالا هاتفيا من مندوب الوزارة في المستشفى وعند مقابلته قال لي ستدخل المستشفى بعد 15 يوما لكن عليك دفع مبلغ 6000 دولار علما انني احمل بطاقة المعوق التي من المفترض ان تغطيني مئة في المئة. طبعا رفضت وتوجهت الى مستشفى رفيق الحريري الحكومي حيث أجريت العملية مجانا وبالكامل، ومنذ ذلك الوقت اتخذت قراراً بعدم دخول اي مستشفى آخر". ويضيف "الظاهرة الغريبة في بعض المستشفيات الحكومية ان الطبيب المسجل في النقابة يتقاضى مبلغا لجيبه الخاص من المريض مباشرة لإجراء العملية ما يسمى "بالرشوة الذكية" وقد حدث ان طالبني مرة الطبيب بالمبلغ في غرفة الإستقبال امام عدد من الأشخاص". وفي تجربة أخرى لي في احد المستشفيات الخاصة لم تتم الموافقة على ادخالي المستشفى لعدم توافر اسرة وعندما أبرزت بطاقتي طلب إليّ موظف الاستقبال " روح بلّها واشرب ميها".
ويعلق عربيد على القصة بالقول " تعلّمنا من خلال خبرتنا ان الناس غالباً ما لا تعكس حقيقة الأمر، اذ لا يوجد مريض في لبنان ينتظر اكثر من يومين لتأمين سرير له. نحن من أفضل البلدان في العالم التي تقدم خدمات صحية لشعبها. ففي حين تخصص انكلترا 6% والخليج 4% من موازنتها للقطاع الصحي يخصص لبنان 9% ". ويسأل " لماذا لا يتقدم هؤلاء بالشكاوى الى الوزارة؟ والجواب عند حسام " من سيصدّق . نحتاج الى دليل حسي. فالطبيب لا يعطي ايصالاً بالمبلغ الذي يتقاضاه ، والحديث مع مندوب الوزارة غير مسجَّل، فيما يفضل الشهود عدم الدخول في هذه المعمعة".

مفتاح..الوساطة
وكأنه لا يكفي المعوقين كل ما يعانونه من إعاقتهم وتناسي المجتمع لهم وندرة فرص العمل ليصطدموا أيضا بالحواجز " الإستشفائية" التي تعيق حصولهم على أبسط حقوقهم، ما يدفعهم للجوء الى الوسيلة الشائعة جدا في وطننا العزيز "الواسطة". وهذه الأخيرة التي يستعملها الفرد عادة لحل أموره المستعصية تشكل "المخرج" الوحيد لبعض المعوقين ليعبروا الجسر الفاصل ما بين المرض وبين العلاج. " على المعنيين ان يعرفوا اننا ندخل المستشفى بداعي المرض وليس لإمضاء فترة نقاهة" بهذه الجملة تعبر علياء الهندي عن سخطها من المعاملة التي يتلقاها المعوّق في لبنان. فمنذ بضع سنوات تعرضت علياء لحادث سيارة خطير أدى الى تكسيرها بالكامل وكانت حالتها خطيرة جدا وسخرية القدر ان الحادث وقع امام احد المستشفيات في بيروت. إستقبلتها تلك المستشفى حيث تلقت الإسعافات الأولية فقط لكنها رفضت إدخالها العناية، فإضطرت علياء القيام برحلة طويلة وهي في حالة حرجة من بيروت الى احد المستشفيات في البقاع حيث أدخلت عن طريق الوساطة التي أمَّنها عمّها مع أحد معارفه. "وعلى الرغم من الواسطة دفعت 800 دولار ثمن سياخ حديد وضعت في جسمي و200دولار بدل دواء من جيبي الخاص". ومنذ بضعة أشهر توجهت تريز الى المستشفى وهي في حالة طلق مبكر لوضع جنينها، غير ان البطاقة التي بحوزتها لم تنفع لإقناع المسؤولين إدخالها غرفة العمليات. فانتظرت أمام باب المستشفى مع كل آلامها المبرحة مدة ساعتين ونصف الى حين "دبِّرت" الوساطة .

البطاقة صورية
تختلف الحالات وتتعدّد الأسماء إنما النتيجة واحدة. البطاقة الصحية للمعوقين شبه صورية لا تعترف بها بعض المستشفيات ، في حين يمنع المريض من دخول بعضها الآخر بحجة عدم توافر أسرة ، وتلك التي ينجح في دخولها تتقاضى منه فروقات مالية من أجرة الطبيب او ثمن دواء.
الواقع السيئ هذا لا ينفيه نقيب المستشفيات سليمان هارون الذي يعبر عن تضامنه مع المعوقين ودعمه لهم "هم لا يُلاموا على لوم المستشفيات التي يدخلون معها في علاقة مباشرة، لأنهم يجهلون حقيقة الأمر. فالموضوع شائك جدا بالنسبة الى الطرفين على حد سواء". ويؤكد "نحن لا نهرب أبداً من معالجة المعوقين وإستقبالهم غير ان المشكلة تكمن في الشأن المالي . صحيح ان التعميم واضح حول التغطية الشاملة للمعوق ،إلا ان للمستشفى سقفا ماليا محدّدا تقدمه وزارة الصحة لا يمكن لها ان تتجاوزه وتدفع من حسابها الخاص. هذا السقف غير مخصص للمعوقين كما لكل افراد المجتمع، وغالبا ما تستنزف المستشفى القسم الأكبر منه قبل نهاية الشهر فتحاول بذلك حصر إستقبال الحالات بالطارئة جدا منها".
في هذه الحالة يتعين على المعوق الذهاب الى مستشفى آخر. لكن ماذا لو طال البحث ولم يجدها؟ يجيب هارون الحل موجود ويقوم على مسح كامل للمستشفيات في لبنان حيث يجهّز في كل منطقة اثنان منها بشكل كامل لإستقبال جميع أنواع الإعاقات ويحدد لها سقف مالي من وزارة الصحة يخصَّص فقط للمعوقين، وهذا المشروع ان نفذ يشكل حلاً جذرياً لتلك المشكلة إذ يعرف حينها المعوّق الى أي مستشفى يتوجه من دون ان ترفضه. ويضيف :" عرضنا هذا الطرح على الوزارة ولاقى آذانا صاغية فقط لا غير، علماً أن تنفيذه لا يتطلب سن قانون وكل ما يحتاجه هو قرار وزير". اما عن تكلفته فيقول " إذا ما خصّصت الوزارة 3 او 4 % من موازنتها البالغة 250 ملياراً اي نحو 10 مليارات يمكن تنفيذه وحل المشكلة".

المرض لا ينتظر
قرار الوزير قد يستنفد وقتاً طويلا لا يمكن تحديده ولا ينتظره المرض ، لذا لا بد من حل آخر سريع. الحل وجدته جمعية بيت شباب التي تحضن 120 معوقا، حيث أسست في العام 2003 مستشفى خاصا بها تضمن قسم عناية . ويعتبر رئيس الجمعية الأب بديع حاج ان "تأسيس المستشفى كان الحل الوحيد امامنا وكان تنفيذه ضرورة خصوصا وان المستشفيات لا تميز بين المعوق والسليم وقد سجلت حالات وفاة عدد من المرضى على الطريق اثناء عملية البحث عن مستشفى ".
الحل وان كان جيدا الا انه ليس بمقدور جمعيات كثيرة تحقيقه لما يتطلب من اموال وتجهيزات، كما انه ليس بمقدور المستشفيات كافة تجهيز نفسها بالكامل. واذا كان القانون 2000/220 ينص على ان تكون المباني العامة والخاصة ذات المنفعة العامة مجهّزة هندسياً، يبدو السؤال عن جدواه بديهياً لجهة انه ينص على كل شيء فيما لا يلزم اي من السلطات بشيء؟ اذ ان ليس للوزارة ان تلزم المستشفيات لا على إستقبال المعوق ولا حتى على التجهيز.
وفي هذا الاطار تشدد اللقِّيس على "ان المعوقين هم جزء من المجتمع وليسوا كتلة منفصلة عنه، لذلك من المفترض ان تكون حاجاتهم مؤمنة". وتضيف "اذا ما كانوا يفتقرون الى ابسط هذه الحاجات فان المشكلة تكمن في المجتمع بحد ذاته وليس لها تفسير غير ذلك، فكيف نطالب مثلا بمستشفيات مجهزة ومبنى وزارة الصحة غير مجهز لإستقبال المعوق".
يدعمها هارون بالقول " إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع" . ويعتبر "أن الطلب من المستشفيات كافة تجهيز نفسها لإستقبال كل أنواع الإعاقات غير منطقي. من الضروري فرز الإعاقات حسب النوع اذ ان ذوي الإعاقات الجسدية البسيطة لا يشكلون أي مشكلة لكن الصعوبة في استقبال الإعاقات العقلية التي تتطلب عناية خاصة ومراقبة دائمة وفراشا خاصا".

آلية ..ناقصة
ولا تقتصر المشكلة على تطبيق آلية العمل انما تتعدّاها الى عمقها بشكل خاص والقسم الصحي من القانون 2000/220بشكل عام،اذ ان إعلان الآلية يختلف عن موضعتها . ويسجل المعوقون خصوصا منهم اصحاب الاعاقات الحركية ملاحظات عليها تبدأ بالمضمون لجهة عدم شملها العلاجات الفيزيائية والاطراف الاصطناعية والعلاج الانشغالي ولا تنتهي بالتنفيذ. وفي هذا السياق تسأل اللقيس"اين هو الجهاز التنفيذي المولج تنفيذها؟ فالوزارة توكل مهامه الى أشخاص متتعددي المهام وبالتالي لا يكون الموضوع من أولوياتهم". وتتابع "يحتاج 2000 شخص سنوياً الى طرف إصطناعي فيما يسعِّر الضمان كلفته بثلث قيمته الفعلية. اما العلاج الإنشغالي فهو الأعلى كلفة بين الإستشارات الطبية والأهم في حياة المعوق لارتكازه عليه لإستعادة وظائفه الجسدية والفكرية، بالاضافة الى العلاج الفيزيائي الذي هو من الأساسيات لديه ولا تعترف الدولة بتغطيته إلاّ اذا كان المعوق داخل مؤسسة ما يعوق حياته العملية والإجتماعية".
تنطلق اللقيس من هنا لتطرح سلّة من المطالب أبرزها إستكمال الآلية الصحية، تموضع جهاز تنفيذي إداري في المحافظات كافة ، وإنجاز لائحة الخدمات الإضافية وتوحيد الأسعار، وإصلاح نظام المراكز الصحية بإضافة المعايير الدامجة ما يجعلها قادرة على التعامل مع الإعاقات، وإدراج المعايير الهندسية على مؤسسات القطاع الصحي، وتنظيم الإستشفاء الخارجي. وتسأل " اين هي الخطة الإستراتيجية الوطنية التي تقوم على سياسة صحية وطنية تلائم الجميع؟ من الواضح ان هناك أمرا غير محسوم على مستوى أصحاب القرار. هل ينفذون حسب الموجود او وفق حاجات الناس وتطلعاتهم. المشكلة اننا نخطط بجزئيات ومع كل حكومة جديدة تنسف خطط سابقتها ما يؤخر دورة العمل ويعيدها الى نقطة الصفر ليبدا العمل من جديد".
من الواضح ان القطاع الصحي بحاجة الى العمل من أكثر من جانب وبما ان المجتمع المدني جزء لا يتجزأ من المجتمع ، من المهم ان تعتمد وزارة الصحة منهجا تشاركياً تدعو فيه الجمعيات ونقابات المستشفيات الى ورشة عمل لوضع خطة إستراتيجية صحية طويلة الأمد. وتشرح "سمعنا سابقاً وشاركنا في مؤتمرات لوزارة الصحة، لكننا لم نعرف شيئاً عن مصير التوصيات التي صدرت عنها".

والصحة غير مقصرة
وفي المقابل يحصرعربيد المشكلة بـ"الخدمات الخارجية التي لم تصدر لها بعد مراسيم تطبيقية تحدّد من هي الهيئة المولجة تقديم الخدمات خارج الإستشفاء." ويرى ان مشاكل الإستشفاء ليست بالملحّة اذ إن إحتمال دخول الفرد الى المستشفى هو 0,52يوم في السنة اي ان 11% من الشعب اللبناني يحتاجون الى دخول المستشفى سنويا، بينما 90% منهم يضطرون الى إستشارة طبيب او غيره . إذا نحن ملزمون بالعمل على تحسين الحياة الصحية اليومية للمواطنين، فهل نعمل على تحسين وضع الـ10% او 90% ؟. نحن نركز على الترصد الوبائي ومكافحة الأوبئة ، اما الخدمة الإستشفائية فيمكن ان تعمل عليها اي جهة اخرى من الضمان الى التعاونية الخ." ويؤكد "ان مشكلة المعوقين لا يمكن ان تحل الا في إطار حل شامل للقطاع الصحي . اذا كان عددهم في لبنان لا يتجاوز الـ 50 ألفاً يعانون من مشاكل مع القطاع الصحي، فان في لبنان مليوني مواطن ليس لديهم تغطية صحية 7% منهم من المتقاعدين يستهلكون 45% من الخدمات الصحية، أعتقد ان هذه هي الفئة التي يجب إيجاد حل لها. على الوزارة انشاء ما يسمى شبكة الأمان الصحي حيث تتشابك فيها الخدمات ونظام الإحالة بطريقة منظمة بين المراكز والمستشفيات. ولماذا لا تلجأ الدولة الى الخدمة الصحية المنزلية ". ويضيف الوزارة تقدم الخدمة لحاملي بطاقات المعوق التي تصدرها وزارة الشؤون الإجتماعية . هناك نحو 60 الف شخص يحملون هذه البطاقة ونحن واثقون بان 10% على الأقل منهم ينتحلون صفة المعوّق للإستفادة من الخدمات، لذا لا بد من إحصاء دقيق وتقييم مفصل للعدد يعتمد المعايير الدولية".
غير ان وزارة الصحة لا تقصِّر ابداً في عملها على حد تعبير عربيد والدليل على ذلك أرقام وإحصاءات من الوزارة حول عدد الخدمات الإستشفائية التي قدمتها للأفراد الذين يحملون بطاقات الإستشفاء وهي على الشكل الآتي:
في العام 2007 عدد المرضى بلغ 2725 نتج عنه 4421 حالة استشفاء اي تقريبا 1.7% حالة إستشفاء لكل فرد بلغت كلفتهم 5.9 مليارات ليرة. وفي العام 2008 بلغ عدد المرضى 2080 مقابل 4641 حالة استشفاء بكلفة 6 مليارات. وفي 2009العام حدد عدد المرضى بـ2962 وعدد حالات الإستشفاء بـ4874 والكلفة 6,5 مليارات ليرة، كما قدمت الوزارة في العام نفسه 500 طرف إصطناعي.

No comments:

Post a Comment